المجموعة الأم: المكتبة اليمانية
المجموعة: كتب الامام احمد الحسن (ع)
تم إنشاءه بتاريخ 27 تموز/يوليو 2012
تاريخ آخر تحديث: 27 تموز/يوليو 2012
الزيارات: 4779
حجم الخط
إصدارات أنصار الإمام المهدي (ع) / العدد (21-أ)
شرائع الإسلام
)الجزء الأول)
(العبادات)
(العبادات)
السيد أحمد الحسن
وصي ورسول ويماني الإمام المهدي (ع)
الطبعة الثانية
1431 هـ - 2010 م
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
هذا الكتاب:
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
هذا الكتاب:
هو (شرائع الإسلام) في مسائل الحلال والحرام، للعالم الفاضل
والولي الناصح لآل محمد (ع) أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (رحمه الله) وقد
بذل ما بوسعه لمعرفة أحكام شريعة الإسلام من روايات الرسول والأئمة (ع)، ولكنه
اخطأ في مقام وتردد في آخر لا عن تقصير بل عن قصور لا سبيل له على دفعه.
وقد قمت بتصحيحه وبيان أحكام شريعـة الإسلام بما عرفته من الإمام المهدي (ع)، وبحسب ما أمرني الإمام المهدي (ع) أن أُبين ما يقال وحضر أهله وحان وقته وان أحيل ما لم يحن وقته إلى وقته، ومن يخالف هذه الأحكام فهو يخالف الإمام المهدي (ع):
﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ الأنبياء:112.
وأعتذر إلى الله ورسوله والإمام المهدي (ع) من التقصير، واسأل الله أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر.
يا عظيم إغفر لي الذنب العظيم إنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم:
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ الفتح:1-2.
المذنب المقصر
أحمد الحسن 15 / شعبان / 1426هـ ق
شرائع الإسلام
( الجزء الأول )
وقد قمت بتصحيحه وبيان أحكام شريعـة الإسلام بما عرفته من الإمام المهدي (ع)، وبحسب ما أمرني الإمام المهدي (ع) أن أُبين ما يقال وحضر أهله وحان وقته وان أحيل ما لم يحن وقته إلى وقته، ومن يخالف هذه الأحكام فهو يخالف الإمام المهدي (ع):
﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ الأنبياء:112.
وأعتذر إلى الله ورسوله والإمام المهدي (ع) من التقصير، واسأل الله أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر.
يا عظيم إغفر لي الذنب العظيم إنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم:
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ الفتح:1-2.
المذنب المقصر
أحمد الحسن 15 / شعبان / 1426هـ ق
شرائع الإسلام
( الجزء الأول )
كتاب الطهارة
كتاب الصلاة
كتاب الصيام
كتاب الاعتكاف
كتاب الصلاة
كتاب الصيام
كتاب الاعتكاف
كتاب الطهارة
الطهارة: اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة، وكل واحد منها ينقسم إلى: واجب وندب.
فالواجب من الوضوء: ما كان لصلاة واجبة، أو طواف واجب أو لمس كتابة القرآن إن وجب، والمندوب ما عداه.
والواجب من الغسل: ما كان لأحد الأمور الثلاثة، أو لدخول المساجد أو لقراءة العزائم إن وجبا. وقد يجب إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه بقدر ما يغتسل الجنب، ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة، والمندوب ما عداه.
والواجب من التيمم: ما كان لصلاة واجبة عند تضيق وقتها، وللجنب في أحد المسجدين ليخرج به، والمندوب ما عداه. وقد تجب الطهارة بنذر وشبهه.
وهذا الكتاب يعتمد على أربعة أركان :
الركن الأول : في المياه
فيه أطراف:
الأول: في الماء المطلق
وهو: كل ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة وكله طاهر مزيل للحدث والخبث، وباعتبار وقوع النجاسة فيه ينقسم إلى: جار، ومحقون، وماء بئر.
أما الجاري : فلا ينجس إلا باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه (اللون، أو الطعم، أو الرائحة)، ويطهر بكثرة الماء الطاهر عليه - متدافعاً - حتى يزول تغيره. ويلحق بحكمه ماء الحمام إذا كان له مادة . ولو مازجه طاهر فغيره أو تغير من قبل نفسه لم يخرج عن كونه مطهرا ما دام إطلاق اسم الماء باقياً عليه.
وأما المحقون: فما كان منه دون الكر فإنه ينجس بملاقاة النجاسة، ويطهر بإلقاء كر عليه فما زاد دفعة، ولا يطهر بإتمامه كراً. وما كان منه كراً فصاعداً لا ينجس إلا أن تغير النجاسة أحد أوصافه. ويطهر بإلقاء كر عليه فكر حتى يزول التغير. ولا يطهر بزواله من نفسه، ولا بتصفيق الرياح، ولا بوقوع أجسام طاهرة فيه تزيل عنه التغير.
والكر: (457 لتر)، أو ما كان كل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفاً. ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران والحياض والأواني.
وأما ماء البئر: فإنه ينجس بالملاقاة إذا كان ما فيه أقل من كر وماؤه يأتيه بالرشح، أما إذا كان ماؤه يأتيه بالعين المتصلة بمادة الماء الجوفي أو كان ماؤه كراً فما فوق فلا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه: اللون أو الطعم أو الرائحة. وطريقة تطهيره: ينزح منه ماء بحسب ما وقع فيه.
1- من موت العصفور إلى الدجاجة (أو ما في حجمها) فيه : بين (10 لتر-100 لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله، والعقرب والحية والوزغ ينـزح لها بين (30 لتر-70 لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله.
2- من موت الشاة أو الكلب (أو ما في حجمها) فيه: بين (100-460 لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله.
3- من الدم أو البول أو العذرة أو المني أو المسكر فيه: بين (70 -460 لتر) بحسب كثرة ما وقع وحاله، فإذا كانت العذرة سائلة أو تفسخت ينـزح (400 لتر)، وإذا كانت جامدة ولم تتفسخ ينزح (100 لتر) بعد إخراجها.
4- من موت الحمار أو البقرة أو الجمل وشبهها فيه بين (460-700 لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله.
5- من موت الإنسان ينزح (700 لتر).
فإن بقي في الماء لون أو طعم أو ريح من تفسخ الحيوان أو من دم أو بول أو خمر أو غيره نزح من البئر ماء حتى ينقى الماء وتذهب الريح واللون والطعم التي طرأت من النجاسة.
فروع ثلاثة:
الأول: حكم صغير الإنسان في النزح حكم كبيره.
الثاني: اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح، وإن تماثل تضاعف النزح أيضاً.
الثالث: إذا تقطع الحيوان (الكلب وما فوقه) أو تفسخ في البئر نزح جميع مائها، فإن تعذر نزحها لم تطهر إلا بالتراوح أو الضخ يوم إلى الليل، وهذا هو الأفضل حتى فيما دون الكلب.
ويستحب أن يكون بين البئر والبالوعة خمسة أذرع إذا كانت الأرض صلبة، أو كانت البئر فوق البالوعة، وإن لم يكن كذلك فسبع. ولا يحكم بنجاسة البئر إلا أن يعلم وصول ماء البالوعة إليها. وإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز استعماله في الطهارة مطلقاً، ولا في الأكل ولا في الشرب إلا عند الضرورة. ولو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما، وإن لم يجد غير مائهما تيمم.
الثاني: في المضاف
وهو كل ما اعتصر من جسم أو مزج به مزجاً يسلبه إطلاق الاسم، وهو طاهر لكن لا يزيل حدثاً ولا خبثاً، ويجوز استعماله فيما عدا ذلك. ومتى لاقته النجاسة نجس قليله وكثيره، ولم يجز استعماله في أكل ولا شرب. ولو مزج طاهره بالمطلق اعتبر في رفع الحدث به إطلاق الاسم عليه.
وتكره الطهارة بماء أسخن بالشمس في الآنية، وبماء أسخن بالنار في غسل الأموات. والماء المستعمل في غسل الأخباث نجس سواء تغير بالنجاسة أو لم يتغير، عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم يتغير بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة من خارج. والمستعمل في الوضوء طاهر ومطهر، وما استعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر، ولا يرفع الحدث.
الثالث: في الأسئار
وهي كلها طاهرة عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر، والأفضل تجنب سؤر المسوخ.
ومن عدا الخوارج (خوارج النهروان أو من شاكلهم)، والغلاة (الذين يقولون بالألوهية المطلقة لمخلوق)، والنواصب (سواء نصبوا العداء للأئمة أو المهديين أو شيعتهم) من أصناف المسلمين طاهر الجسد والسؤر.
ويكره: سؤر الجلال، وسؤر ما أكل الجيف إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة، والحائض التي لا تؤمن، وسؤر البغال والحمر والفأرة والحية والعقرب والوزغ. وينجس الماء بموت الحيوان ذي النفس السائلة، دون ما لا نفس له. وما لا يدرك بالطرف من الدم ينجس الماء.
* * *
الركن الثاني : في الطهارة المائية
وهي: وضوء، وغسل.
وفي الوضوء فصول:
الأول: في الأحداث الموجبة للوضوء
وهي ستة : خروج البول، والغائط، والريح من الموضع المعتاد.
ولو خرج الغائط من الأمعاء الدقيقة لا ينقض ومن الغليظة ينقض. ولو اتفق المخرج في غير الموضع المعتاد نقض، وكذا لو خرج الحدث من جرح ثم صار معتاداً.
والنوم الغالب على الحاستين، وفي معناه كل ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سكر. والإستحاضة القليلة .
ولا ينقض الطهارة مذي، ولا وذي، ولا ودي، ولا دم ولو خرج من أحد السبيلين عدا الدماء الثلاثة (الحيض والنفاس والإستحاضة)، ولا قيء، ولا نخامة، ولا تقليم ظفر، ولا حلق، ولا مس ذَكَر، ولا قُبِل ولا دبر، ولا لمس امرأة، ولا أكل ما مسته النار، ولا ما يخرج من السبيلين إلا أن يخالطه شئ من النواقض.
الثاني: في أحكام الخلوة
وهي ثلاثة:
الأول: في كيفية التخلي.
ويجب فيه ستر العورة، ويستحب ستر البدن. ويحرم استقبال القبلة واستدبارها، ويستوي في ذلك الصحاري والأبنية، ويجب الانحراف في موضع قد بني على ذلك.
الثاني: في الاستنجاء.
ويجب غسل موضع البول بالماء، ولا يجزي غيره مع القدرة، وأقل ما يجزي غسله مرتين، وغسل مخرج الغائط بالماء حتى يزول العين والأثر، ولا اعتبار بالرائحة.
وإذا تعدى المخرج لم يجز إلا الماء، وإذا لم يتعد كان مخيراً بين الماء والأحجار، والماء أفضل، والجمع أكمل. ولا يجزي أقل من ثلاثة أحجار. ويجب إمرار كل حجر على موضع النجاسة، ويكفي معه إزالة العين دون الأثر. وإذا لم ينق بالثلاثة فلابد من الزيادة حتى ينقى، ولو نقي بدونها أكملها وجوباً. ولا يكفي استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات، ولا يستعمل الحجر المستعمل، ولا الأعيان النجسة، ولا العظم، ولا الروث، ولا المطعوم، ولا صقيل يزلق عن النجاسة، ولو استعمل ذلك لم يطهر.
الثالث: في سنن الخلوة.
وهي: مندوبات ومكروهات.
فالمندوبات: تغطية الرأس والتقنع أفضل، والاستعاذة، والتسمية، وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول، والاستبراء، والدعاء عند الاستنجاء، وعند الفراغ وتقديم اليمنى عند الخروج والدعاء بعده.
والمكروهات: الجلوس في الشوارع، والمشارع، وتحت الأشجار المثمرة، ومواطن النزال، ومواضع اللعن، واستقبال الشمس والقمر بفرجه، أو الريح بالبول، والبول في الأرض الصلبة، وفي ثقوب الحيوان، وفي الماء واقفا وجارياً، والأكل والشرب والسواك، والاستنجاء باليمين، وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه أو اسم نبي أو وصي أو الزهراء (ع)، والكلام إلا بذكر الله تعالى، أو آية الكرسي، أو حاجة يضر فوتها.
الثالث: في كيفية الوضوء
وفروضه خمسة:
الفرض الأول: النية.
وهي: إرادة تفعل بالقلب. وكيفيتها: أن ينوي الوضوء قربة إلى الله تعالى وطلباً لطهارة الباطن. ولا يجب نية رفع الحدث، أو استباحة شئ مما يشترط فيه الطهارة أو الوجوب أو الندب. ولا تعتبر النية في طهارة الثياب، ولا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث. ولو ضم إلى نية التقرب إرادة التبرد أو غير ذلك كانت طهارته مجزية. ووقت النية عند غسل الكفين، وتتضيق عند غسل الوجه، ويجب استدامة حكمها إلى الفراغ.
تفريع: إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء كفى وضوء واحد بنية التقرب ولا يفتقر إلى تعيين الحدث الذي يتطهر منه، وكذا لو كان عليه أغسال.
الفرض الثاني: غسل الوجه.
وهو ما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلى طرف الذقن طولاً، وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضاً، وما خرج عن ذلك فليس من الوجه. ولا عبرة بالأنزع، ولا بالأغم، ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه، بل يرجع كل منهم إلى مستوي الخلقة فيغسل ما يغسله.
ويجب أن يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن، ولو غسل منكوساً لم يجز. ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية، ولا تخليلها بل يغسل الظاهر. ولو نبت للمرأة لحية لم يجب تخليلها، وكفى إفاضة الماء على ظاهرها.
الفرض الثالث: غسل اليدين.
والواجب: غسل الذراعين، والمرفقين، والابتداء من المرفق. ولو غسل منكوساً لم يجز ويجب البدء باليمنى. ومن قطع بعض يده غسل ما بقي من المرفق، فإن قطعت من المرفق سقط فرض غسلها. ولو كان له ذراعان دون المرفق، أو أصابع زائدة، أو لحم نابت وجب غسل الجميع، ولو كان فوق المرفق لم يجب غسله، ولو كان له يد زائدة وجب غسلها.
الفرض الرابع: مسح الرأس.
والواجب منه: ما يسمى به ماسحاً، والمندوب: مقدار ثلاث أصابع عرضاً. ويختص المسح بمقدم الرأس، ويجب أن يكون بنداوة الوضوء، ولا يجوز استئناف ماء جديد له. ولو جف ما على يديه أخذ من لحيته أو أشفار عينيه، فإن لم يبق نداوة استأنف الوضوء. والأفضل مسح الرأس مقبلاً ويكره مدبراً. ولو غسل موضع المسح لم يجز. ويجوز المسح على الشعر المختص بالمقدم وعلى البشرة. ولو جمع عليه شعراً من غيره ومسح عليه لم يجز، وكذلك لو مسح على العمامة أو غيرها مما يستر موضع المسح.
الفرض الخامس: مسح الرجلين.
ويجب: مسح القدمين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وهما قبتا القدمين ويجوز منكوساً، وليس بين الرجلين ترتيب. وإذا قطع بعض موضع المسح مسح على ما بقي، ولو قطع من الكعب سقط المسح على القدم. ويجب: المسح على بشرة القدم، ولا يجوز على حائل من خف أو غيره. ويجب أن يمسح بكفه كلها على قدمه مع القدرة، ولا يجب أن يكون كل جزء من الكف ماسح على القدم ، بل أن تمر الكف على القدم.
مسائل ثمان:
الأولى: الترتيب واجب في الوضوء يبدأ غسل الوجه قبل اليمنى، واليسرى بعدها ومسح الرأس ثالثاً، والرجلين أخيراً. فلو خالف أعاد الوضوء - عمداً كان أو نسياناً - إن كان قد جف الوضوء، وإن كان البلل باقياً أعاد على ما يحصل معه الترتيب.
الثانية: الموالاة واجبة، وهي: أن لا يفصل بين الغسلتين والمسحتين بفاصل يخرجها عرفاً عن كونها عمل واحد وهو الوضوء، فإذا غسل وجهه بادر إلى غسل يديه ثم بادر إلى مسح رأسه ثم بادر إلى مسح رجليه دون تواني أو إهمال.
الثالثة: الفرض في الغسلات مرة واحدة، والثانية سنة، والثالثة بدعة، وليس في المسح تكرار.
الرابعة: يجزي في الغسل ما يسمى به غاسلاً وإن كان مثل الدهن. ومن كان في يده خاتم أو سير فعليه إيصال الماء إلى ما تحته، وإن كان واسعاً استحب له تحريكه.
الخامسة: من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر فإن أمكنه نزعها أو تكرار الماء عليها حتى يصل إلى البشرة وجب، وإلا أجزاه المسح عليها سواء كان ما تحتها طاهراً أو نجساً، وإذا زال العذر استأنف الطهارة.
السادسة: لا يجوز أن يتولى وضوءه غيره مع الاختيار، ويجوز عند الاضطرار.
السابعة: لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن، ويجوز له أن يمس ما عدا الكتابة.
الثامنة: دائم الحدث (من به سلس، من به البطن) إذا كان له وقت يكفي للصلاة صلى فيه، وإلا جدد وضوءه في الصلاة وأتمها، وإن تعسر عليه تطهير الخبث في الصلاة يكفيه التطهر من الحدث.
وسنن الوضوء هي: وضع الإناء على اليمين والاغتراف بها، والتسمية والدعاء، وغسل اليدين قبل إدخالهم الإناء من حدث النوم أو البول مرة ومن الغائط مرتين، والمضمضة والاستنشاق، والدعاء عندهما وعند غسل الوجه واليدين وعند مسح الرأس والرجلين، وأن يبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعيه وفي الثانية بباطنهما، والمرأة بالعكس، وأن يكون الوضوء بمد. ويكره: أن يستعين في طهارته، وأن يمسح بلل الوضوء عن أعضائه.
الرابع: في أحكام الوضوء
من تيقن الحدث وشك في الطهارة، أو تيقنهما وشك في المتأخر تطهر. وكذا لو تيقن ترك عضو أتى به وبما بعده، وإن جف البلل استأنف. وإن شك في شئ من أفعال الطهارة وهو على حاله أتى بما شك فيه ثم بما بعده. ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو في شئ من أفعال الوضوء بعد انصرافه لم يعد.
ومن ترك غسل موضع النجو أو البول وصلى أعاد الصلاة عامداً كان أو ناسياً أو جاهلاً.
ومن جدد وضوءه بنية الندب، ثم صلى وذكر أنه أخل بعضو من إحدى الطهارتين فالطهارة والصلاة صحيحتان، ولو صلى بكل واحدة منهما صلاة أعاد الأولى فقط. ولو أحدث عقيب طهارة منهما ولم يعلمها بعينها أعاد الصلاتين إن اختلفتا عدداً، وإلا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته. وكذا لو صلى بطهارة ثم أحدث وجدد طهارة ثم صلى أخرى، وذكر أنه أخل بواجب من إحدى الطهارتين.
ولو صلى الخمس بخمس طهارات وتيقن أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات أعاد ثلاث فرائض: ثلاثاً واثنتين وأربعاً.
وأما الغسل: ففيه: الواجب والمندوب.
فالواجب ستة أغسال: غسل الجنابة، والحيض، والإستحاضة التي تثقب الكرسف، والنفاس، ومس الأموات من الناس قبل تغسيلهم وبعد بردهم، وغسل الأموات.
وبيان ذلك في خمسة فصول:
الفصل الأول: في الجنابة
والنظر في: السبب، والحكم، والغسل.
أما سبب الجنابة، فأمران:
الإنزال: إذا علم أن الخارج مني، فإن حصل ما يشتبه به وكان دافقاً يقارنه الشهوة وفتور الجسد وجب الغسل، ولو كان مريضاً كفت الشهوة وفتور الجسد في وجوبه. ولو تجرد عن الشهوة والدفق - مع اشتباهه - لم يجب. وإن وجد على ثوبه أو جسده منياً وجب الغسل إذا لم يشركه في الثوب غيره، والمرأة كذلك إذا أمنت تغتسل.
والجماع: فإن جامع امرأة في قبلها والتقى الختانان وجب الغسل وإن كانت الموطوءة ميتة، وإن جامع في الدبر ولم ينزل وجب الغسل. ولو عمل بعمل قوم لوط (لعنة الله عليهم وعلى من يعمل عملهم) ولم ينزل يجب الغسل، ويجب الغسل بوطء بهيمة إذا لم ينزل.
تفريع: الغسل يجب على الكافر عند حصول سببه، لكن لا يصح منه في حال كفره، فإذا أسلم وجب عليه ويصح منه. ولو اغتسل ثم ارتد ثم عاد لم يبطل غسله.
وأما الحكم: فيحرم عليه: قراءة كل واحدة من العزائم وقراءة بعضها حتى البسملة إذا نوى بها إحداها، ومس كتابة القرآن أو شئ عليه اسم الله تعالى سبحانه أو اسم نبي أو وصي، والجلوس في المساجد، ووضع شئ فيها، والجواز في المسجد الحرام أو مسجد النبي (ص) خاصة. ولو أجنب فيهما لم يقطعهما إلا بالتيمم.
ويكره له: الأكل والشرب، وتخفف الكراهة بالمضمضة والاستنشاق، وقراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم، وأشد من ذلك قراءة سبعين وما زاد أغلظ كراهية، ومس المصحف، والنوم حتى يغتسل أو يتوضأ أو يتيمم ، والخضاب.
وأما الغسل: فواجباته خمس: النية، واستدامة حكمها إلى آخر الغسل. وغسل البشرة بما يسمى غسلاً، وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به. والترتيب: يبدأ بالرأس ثم الجسد، والأفضل البدء بالجانب الأيمن ثم الأيسر ولا يجب فيهما الترتيب، ويسقط الترتيب بارتماسة واحدة.
وسنن الغسل: تقديم النية عند غسل اليدين، وتتضيق عند غسل الرأس، وإمرار اليد على الجسد، وتخليل ما يصل إليه الماء استظهاراً، والبول أمام الغسل والاستبراء، وكيفيته: أن يمسح من المقعد إلى أصل القضيب ثلاثاً، ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثاً، وينتره ثلاثاً. وغسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء، والمضمضة والاستنشاق، والغسل بصاع (3 لتر ماء).
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا رأى المغتسل بللاً مشتبهاً بعد الغسل، فإن كان قد بال أو استبرأ لم يعد، وإلا كان عليه الإعادة.
الثانية: إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث يعيد الغسل من رأس، ودائم الحدث يضم إليه الوضوء إذا لم يكن لديه وقت يكفي للغسل دون أن يتخلله حدث.
الثالثة: لا يجوز أن يغسله غيره مع الإمكان، ويكره أن يستعين فيه.
الفصل الثاني: في الحيض
وهو يشتمل على: بيانه، وما يتعلق به.
أما الأول: فالحيض: الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة، ولقليله حد. وفي الأغلب يكون أسوداً غليظاً حاراً يخرج بحرقة. وقد يشتبه بدم العذرة فتعتبر بالقطنة، فإن خرجت مطوقة فهو العذرة. وكل ما تراه الصبية قبل بلوغها تسعاً فليس بحيض.
وأقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة، وكذا أقل الطهر، ولا حد لأكثره. ويشترط التوالي في الثلاثة. وما تراه المرأة بعد يأسها لا يكون حيضاً. وتيأس المرأة القرشية ببلوغ ستين، وغير القرشية ببلوغ خمسين سنة.
وكل دم رأته المرأة دون الثلاثة فليس بحيض مبتدئة كانت أو ذات عادة. وما تراه من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض، [سواء] تجانس أو اختلف. وتصير المرأة ذات عادة بأن ترى الدم دفعة، ثم ينقطع على أقل الطهر فصاعداً، ثم تراه ثانياً بمثل تلك العدة، ولا عبرة باختلاف لون الدم.
مسائل خمس:
الأولى: ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم. والمبتدئة إن اطمأنت أنه حيض تترك العبادة، وإلا فلا تترك العبادة حتى تمضي لها ثلاثة أيام.
الثانية: لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع ورأت قبل العاشر كان الكل حيضاً، ولو تجاوز العشرة رجعت إلى التفصيل الذي نذكره. ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم رأته كان الأول حيضاً منفرداً، والثاني يمكن أن يكون حيضا مستأنفاً.
الثالثة: إذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة، فإن خرجت نقية اغتسلت، وإن كانت متلطخة صبرت المبتدئة حتى تنقى أو تمضي لها عشرة أيام. وذات العادة تغتسل بعد ثلاثة أيام من عادتها، فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم، وإن تجاوز كان ما أتت به مجزياً.
الرابعة: إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهية.
الخامسة: إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى مقدار الطهارة والصلاة وجب عليها القضاء، وإن كان قبل ذاك لم يجب، وإن طهرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء ركعة وجب عليها الأداء ومع الإخلال القضاء.
وأما ما يتعلق به ، فثمانية أشياء:
الأول: يحرم عليها كل ما يشترط فيه الطهارة، كالصلاة والطواف ومس كتابة القرآن. ويكره حمل المصحف ولمس هامشه. ولو تطهرت لم يرتفع حدثها.
الثاني: لا يصح منها الصوم .
الثالث: لا يجوز لها الجلوس في المسجد، ويكره الجواز فيه.
الرابع: لا يجوز لها قراءة شئ من العزائم، ويكره لها ما عدا ذلك، وتسجد لو تلت السجدة، وكذا إن استمعت.
الخامس: يحرم على زوجها وطؤها حتى تطهر، ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل. فإن وطأها عامداً عالماً وجب عليه الكفارة، والكفارة: في أوله دينار (أي مثقال ذهب عيار 18 حبة)، وفي وسطه نصف دينار، وفي آخره ربع دينار. ولو تكرر منه الوطء في وقت لا تختلف فيه الكفارة لم تتكرر، وإن اختلفت تكررت.
السادس: لا يصح طلاقها إذا كانت مدخولاً بها، وزوجها حاضر معها.
السابع: إذا طهرت وجب عليها الغسـل، وكيفيته مثل غسل الجنابـة، ويستحب معـه
الوضوء قبله أو بعده، ويجب قضاء الصوم دون الصلاة.
الثامن: يستحب أن تتوضأ في وقت كل صلاة، وتجلس في مصلاها بمقدار زمان صلاتها ذاكرة الله تعالى، ويكره لها الخضاب.
الفصل الثالث: في الاستحاضة
وهو يشتمل على: أقسامها، وأحكامها.
أما الأول: فدم الاستحاضة - في الأغلب - أصفر بارد رقيق يخرج بفتور. وقد يتفق مثل هذا الوصف حيضاً، إذ الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وفي أيام الطهر طهر. وكل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام ولم يكن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة. وكذا كل ما يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة، أو يزيد عن أكثر أيام النفاس ولا يحمل صفة دم الحيض، أو يكون مع الحمل، أو مع اليأس أو قبل البلوغ.
وإذا تجاوز الدم عشرة أيام وهي ممن تحيض فقد امتزج حيضها بطهرها، فهي: إما مبتدئة، وأما ذات عادة مستقرة، أو مضطربة.
فالمبتدئة: ترجع إلى اعتبار الدم، فما شابه دم الحيض فهو حيض، وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة بشرط أن يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة. فإن نقص أو زاد، أو كان لونه لوناً واحداً، أو لم يحصل فيه شريطتا التميز رجعت إلى عادة نسائها إن اتفقن، فإن كن مختلفات جعلت حيضها في كل شهر سبعة أيام.
وذات العادة: أ- تجعل عادتها حيضاً وما سواه استحاضة، فإن اجتمع لها مع العادة تميز تعمل على العادة.
وها هنا مسائل:
الأولى: إذا كانت عادتها مستقرة عدداً ووقتاً فرأت ذلك العدد متقدماً على ذلك الوقت أو متأخراً عنه تحيضت بالعدد وألقت الوقت ، لأن العادة تتقدم وتتأخر، سواء رأته بصفة دم الحيض أو لم يكن.
الثانية: لو رأت الدم قبل العادة وفي العادة، فإن لم يتجاوز العشرة فالكل حيض، وإن تجاوز جعلت العادة حيضاً، وكان ما تقدمها إستحاضة. وكذا لو رأت في وقت العادة وبعدها. ولو رأت قبل العادة وفي العادة وبعدها، فإن لم يتجاوز العشرة فالجميع حيض، وإن زاد على العشرة فالحيض وقت العادة والطرفان إستحاضة.
الثالثة: لو كانت عادتها في كل شهر مرة واحدة عدداً معيناً، فرأت في شهر مرتين بعدد أيام العادة ويفصل بينهما أقل الطهر أو أكثر كان ذلك حيضاً، ولو جاء في كل مرة أزيد من العادة لكان حيضاً إذا لم يتجاوز العشرة، فإن تجاوز تحيضت بقدر عادتها وكان الباقي إستحاضة.
والمضطربة العادة ترجع إلى التميّز فتعمل عليه، فإن إطمأنت من الصفات أنه حيض تركت العبادة، وإلا فلا تترك الصلاة إلا بعد مضي ثلاثة أيام وتطمئن أنه حيض، فإن فقد التميّز فهنا مسائل ثلاث:
الأولى: لو ذكرت العدد ونسيت الوقت تجعل أول أيام الدم حيض بعدد أيامها والباقي إستحاضة.
الثانية: لو ذكرت الوقت ونسيت العدد، فإن ذكرت أول حيضها أكملته بعدد نسائها إن اتفقن وسبعة أيام إن اختلفن، وإن ذكرت آخره جعلته نهاية عدد نسائها إن اتفقن ونهاية سبعة أيام إن اختلفن، وعملت في بقية الزمان ما تعمله المستحاضة، وتقضي صوم الأيام التي جعلتها حيضاً فقط.
الثالثة: لو نسيتهما جميعاً، فهذه تتحيض في كل شهر بعدد أيام نسائها إن اتفقن، وبسبعة أيام إن اختلفن ما دام الاشتباه باقياً.
وأما أحكامها، فنقول:
دم الإستحاضة إما أن لا يثقب الكرسف (لا تمتلئ القطنة دماً)، أو يثقبه ولا يسيل، أو يسيل.
وفي الأول: يلزمها تغيير القطنة، وتجديد الوضوء عند كل صلاة، ولها أن تجمع بين الصلاتين بوضوء واحد.
وفي الثاني: يلزمها مع تغيير القطنة تغيير الخرقة، والغسل لصلاة الغداة (الفجر).
وفي الثالث: يلزمها مع ذلك غسلان، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما، وإذا فعلت ذلك صارت بحكم الطاهرة، وإن أخلت بذلك لم تصح صلاتها. وإن أخلت بالأغسال لم يصح صومها.
الفصل الرابع: في النفاس
النفاس: دم الولادة، وليس لقليله حد، فجاز أن يكون لحظة واحدة. ولو ولدت ولم تر دماً لم يكن لها نفاس. ولو رأت قبل الولادة كان طهراً. وأكثر النفاس عشرة أيام. ولو كانت حاملا بإثنين وتراخت ولادة أحدهما كان ابتداء نفاسها من وضع الأول، وعدد أيامها من وضع الأخير.
ولو ولدت ولم تر دماً ثم رأت في العاشر كان ذلك نفاساً. ولو رأت عقيب الولادة ثم طهرت ثم رأت العاشر أو قبله كان الدمان وما بينهما نفاساً. وإذا استمر الدم بعد العاشر فإن تميز بأوصاف الإستحاضة فهو إستحاضة، وإلا فهو حيض. فإن كانت ذات عادة عددية تحيضت بعدد أيامها، وإلا فبعدد نسائها أو سبعة أيام، فإن استمر الدم استظهرت بثلاثة أيام ثم ما بعدها إستحاضة.
ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض، وكذا ما يكره، ولا يصح طلاقها. وغسلها كغسل الحائض سواء.
الفصل الخامس: في أحكام الأموات
وهي خمسة:
الأول: في الاحتضار.
ويجب فيه: توجيه الميت إلى القبلة بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة، وهو فرض على الكفاية.
ويستحب تلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبي والأئمة والمهديين (ع)، وكلمات الفرج، ونقله إلى مصلاه، ويكون عنده مصباح إن مات ليلاً، ومن يقرأ القرآن. وإذا مات غمضت عيناه، وأطبق فوه، ومدت يداه إلى جنبيه، وغطي بثوب. ويعجل تجهيزه إلا أن يكون حالة مشبهة، فيستبرأ بعلامات الموت أو يصبر عليه ثلاثة أيام.
ويكره: أن يطرح على بطنه حديد، وأن يحضره جنب أو حائض.
الثاني : في التغسيل.
وهو فرض على الكفاية، وكذا تكفينه ودفنه والصلاة عليه، وأولى الناس به أولاهم بميراثه. وإذا كان الأولياء رجالاً ونساء فالرجال أولى، والزوج أولى بالمرأة من كل أحد في أحكامها كلها.
ويجوز أن يغسل الكافر المسلم إذا لم يحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم (محرمة)، وكذا تغسل الكافرة المسلمة إذا لم تكن مسلمة ولا ذو رحم (محرم). ويغسل الرجل محارمه من وراء الثياب ويكشف الوجه والكفين وظاهر وباطن القدمين إذا لم تكن مسلمة. وكذا المرأة ويُكشف صدره فوق السرة ورجليه دون الركبة. ولا يغسل الرجل من ليست له بمحرم إلا ولها دون ثلاث سنين، وكذا المرأة تغسل من له دون خمس سنين، ويغسلها مجردة وتغسله مجرد.
وكل مظهر للشهادتين وإن لم يكن معتقداً للحق يجوز تغسيله، عدا الخوارج والغلاة والنواصب. والشهيد الذي قتل بين يدي الإمام ومات في المعركة لا يغسل ولا يكفن، ويصلى عليه. وكذا من وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال قبل قتله، ثم لا يغسل بعد ذلك.
وإذا وجد بعض الميت فإن كان فيه الصدر أو الصدر وحده غسل وكفن وصلي عليه ودفن، وإن لم يكن وكان فيه عظم غسل ولف في خرقة ودفن، وكذا السقط إذا ولجته الروح أو كان له أربعة أشهر فصاعداً. وإن لم يكن فيه عظم اقتصر على لفه في خرقة ودفنه، وكذا السقط إذا لم تلجه الروح. وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر ولا محرم من النساء فلا تقربه الكافرة، وتصب المسلمة عليه الماء صباً من وراء ثيابه فوق سرته وتحت ركبتيه، ويحنط بالكافور ويدفن. أما الميتة فيصب عليها المسلم من غير المحارم الماء على وجهها ويديها وقدميها فقط، وتحنط بالكافور وتدفن.
ويجب: إزالة النجاسة من بدنه أولاً، ثم يغسل بماء السدر يبدأ برأسه، ثم بجانبه الأيمن ثم الأيسر، وأقل ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم. وبعده بماء الكافور على الصفة المذكورة، وبماء القراح أخيراً كما يغسل من الجنابة. ووضوء الميت مستحب وليس بواجب. ولا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات المذكورة إلا عند الضرورة. ولو عدم الكافور والسدر غسل بالماء القراح مرة واحدة، والثلاث أفضل. ولو خيف من تغسيله تناثر جلده كالمحترق والمجدور يتيمم بالتراب كما يتيمم الحي العاجز.
وسنن الغسل: أن يوضع على ساجة مستقبل القبلة، وأن يغسل تحت الظلال، وأن يجعل للماء حفيرة، ويكره إرساله في الكنيف ولا بأس بالبالوعة، وأن يفتق قميصه وينزع من تحته، وتستر عورته، وتلين أصابعه برفق، ويغسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل، ويغسل فرجه بالسدر والحرض (الإشنان) أو الصابون الخالي من العطر ويغسل يداه، ويبدأ بشق رأسه الأيمن، ويغسل كل عضو منه ثلاث مرات في كل غسلة، ويمسح بطنه في الغسلتين الاولتين، إلا أن يكون الميت المرأة حاملاً. وأن يكون الغاسل منه على الجانب الأيمن، ويغسل الغاسل يديه مع كل غسلة، ثم ينشفه بثوب بعد الفراغ.
ويكره: أن يجعل الميت بين رجليه، وأن يقعده، وأن يقص أظفاره، وأن يرجل شعره، وأن يغسل مخالفاً، فإن اضطر غسله غسل أهل الخلاف.
الثالث: في تكفينه.
ويجب أن يكفن في ثلاثة أقطاع مئزر وقميص وإزار، ويجزي عند الضرورة قطعة. ولا يجوز التكفين بالحرير. ويجب أن يمسح مساجده بما تيسر من الكافور، إلا أن يكون الميت محرماً ، فلا يقربه الكافور. وأقل الفضل في مقدار درهم، وأفضل منه أربعة دراهم، وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلثاً. وعند الضرورة يدفن بغير كافور. ولا يجوز تطيبه بغير الكافور والذريرة.
وسنن هذا القسم: أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه، أو يتوضأ وضوء الصلاة وأن يزاد للرجل حبرة عبرية غير مطرزة بالذهب، وخرقة لفخذيه، ويكون طولها ثلاثة أذرع ونصفاً في عرض شبر تقريباً، فيشد طرفاها على حقويه ويلف بما استرسل منها فخذاه لفاً شديداً بعد أن يجعل بين إليتيه شئ من القطن، وإن خشي خروج شئ فلا بأس أن يحشى في دبره قطناً. وعمامة يعمم بها محنكاً يلف رأسه بها لفاً ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره. وتزاد المرأة على كفن الرجل لفافة لثدييها ونمطاً، ويوضع لها بدلاً من العمامة قناع. وأن يكون الكفن قطناً، وتنثر على الحبرة واللفافة والقميص ذريرة، وتكون الحبرة فوق اللفافة والقميص باطنها، ويكتب على الحبرة والقميص والأزار والجريدتين اسمه وأنه يشهد الشهادتين، وإن ذكر الأئمة والمهديين (ع) وعددهم إلى آخرهم كان حسناً. ويذكر صاحبه الذي به يعد من أهل الإسلام لا من أهل الجاهلية، ويكون ذلك بتربة الحسين (ع)، فإن لم توجد فبالأصبع. وإن فقدت الحبرة يجعل بدلها لفافة أخرى. وأن يخاط الكفن بخيوط منه، ولا يبل بالريق، ويجعل معه جريدتان من سعف النخل، فإن لم يوجد فمن السدر، فإن لم يوجد فمن الخلاف، وإلا فمن شجر رطب. ويجعل إحداهما من الجانب الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده، والأخرى من الجانب اليسار بين القميص والإزار، وأن يسحق الكافور بيده، ويجعل ما يفضل عن مساجده على صدره. وأن يطوي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن، والأيمن على الأيسر.
ويكره: تكفينه في الكتان، وأن يعمل للأكفان المبتدئة أكمام، وأن يكتب عليها بالسواد، وأن يجعل في سمعه أو بصره شئ من الكافور.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا خرج من الميت نجاسة بعد تكفينه، فإن لاقت جسده غسلت بالماء وإن لاقت كفنه فكذلك، إلا أن يكون بعد طرحه في القبر فإنها تقرض.
الثانية: كفن المرأة على زوجها وإن كانت ذات مال، لكن لا يلزمه زيادة على الواجب. ويؤخذ كفن الرجل عن أصل تركته مقدماً على الديون والوصايا، فإن لم يكن له كفن لم يدفن عرياناً بل يجب على المسلمين بذل الكفن، بل ويستحب ما يحتاج إليه الميت من سدر وكافور وغيره.
الثالثة: إذا سقط من الميت شئ من شعره أو جسده، وجب أن يطرح معه في كفنه.
الرابع: في مواراته في الأرض.
وله مقدمات مسنونة كلها: أن يمشي المشيع وراء الجنازة، أو أحد جانبيها، وأن يربع الجنازة، ويبدأ بمقدمها الأيمن، ثم يدور من ورائها إلى الجانب الأيسر، وأن يعلم المؤمنون بموت المؤمن، وأن يقول المشاهد للجنازة: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم، وأن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل القبر مما يلي رجليه والمرأة مما يلي القبلة، وأن ينقله في ثلاث دفعات، وأن يرسله إلى القبر سابقاً برأسه، والمرأة عرضاً، وأن ينزل من يتناوله حافياً، ويكشف رأسه، ويحل أزراره.
ويكره أن يتولى ذلك الأقارب، إلا في المرأة فيتولى أمرها زوجها أو محارمها. ويستحب أن يدعو عند إنزاله القبر.
وفي الدفن فروض وسنن، فالفروض: أن يوارى في الأرض مع القدرة. وراكب البحر يلقى فيه، إما مثقلاً أو مستوراً في وعاء كالخابية أو شبهها، مع تعذر الوصول إلى البر. وأن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة، إلا أن يكون امرأة غير مسلمة حاملاً من مسلم، فيستدبر بها القبلة.
والسنن: أن يحفر القبر قدر القامة أو إلى الترقوة، ويجعل له لحد مما يلي القبلة، ويحل عقد الأكفان من قبل رأسه ورجليه، ويجعل معه شئ من تربة الحسين (ع)، ويلقنه ويدعو له، ثم يشرج اللبن، ويخرج من قبل رجل القبر، ويهيل الحاضرون عليه التراب بظهور الأكف قائلين: إنا لله وإنا إليه راجعون. ويرفع القبر مقدار أربع أصابع، ويربع، ويصب عليه الماء من قبل رأسه ثم يدور عليه، فإن فضل من الماء شئ ألقاه على وسط القبر. ويوضع اليد على القبر ويترحم على الميت، ويلقنه الولي بعد انصراف الناس عنه بأرفع صوته. والتعزية مستحبة وهي جائزة قبل الدفن وبعده، ويكفي أن يراه صاحبها.
ويكره: فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة، وأن يهيل ذو الرحم على رحمه، وتجصيص القبور وتجديدها، ودفن الميتين في قبر واحد، وأن ينقل الميت من بلد إلى بلد آخر إلا إلى أحد المشاهد، وأن يستند إلى القبر أو يمشي عليه.
الخامس: في اللواحق.
وهي مسائل أربع:
الأولى: لا يجوز نبش القبر، ولا نقل الموتى بعد دفنهم، ولا شق الثوب على غير الأب والأخ.
الثانية: الشهيد يدفن بثيابه، وينزع عنه الفرو والخفان، أصابهما الدم أو لم يصبهما، ولا فرق بين أن يقتل بحديد أو بغيره.
الثالثة: حكم الصبي والمجنون إذا قتلا شهيدين حكم البالغ العاقل.
الرابعة: إذا مات ولد الحامل قطع واخرج، وإن ماتت هي دونه شق جوفها من الجانب الأيسر وانتزع، وخيط الموضع.
وأما الأغسال المسنونة، فمنها ثلاثون غسلاً، سبعة عشر للوقت وهي: غسل يوم الجمعة، ووقته: ما بين طلوع الفجر إلى زوال الشمس، وكلما قرب من الزوال كان أفضل. ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء أو تأخيره بعد الزوال يوم الجمعة، وقضاؤه يوم السبت.
وستة في شهر رمضان: أول ليلة منه، وليلة النصف، وسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وليلة الفطر. ويومي العيدين، ويوم عرفة، وليلة النصف من يوم رجب، ويوم السابع والعشرين منه، وليلة النصف من الشعبان، ويوم الغدير، والمباهلة، ويوم التروية.
وثمانية للفعل، وهي: غسل الإحرام، وغسل زيارة النبي (ص) والأئمة (ع)، وغسل المفرط في صلاة الكسوف (والآيات) إذا أراد قضاءها، وغسل التوبة سواء كان عن فسق أو كفر، وصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة، وصلاة الاستسقاء.
وخمسة للمكان، وهي: غسل دخول الحرم، والمسجد الحرام، والكعبة، والمدينة، ومسجد النبي (ص).
مسائل أربع:
الأولى: ما يستحب للفعل والمكان يقدم عليهما، وما يستحب للزمان يكون بعد دخوله.
الثانية: إذا اجتمعت أغسال مندوبة تكفي نية القربة.
الثالثة والرابعة: يستحب غسل من سعى إلى مصلوب ليراه عامداً بعد ثلاثة أيام، وغسل المولود مستحب.
وكل هذه الأغسال مجزية عن الوضوء. والأفضل ذكر اسم الله أثناء الغسل وبعده ويقول: اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين الطيبين الطاهرين، وطهر قلبي من الشك والشرك والظلمة والخبائث.
* * *
الركن الثالث : في الطهارة الترابية
والنظر في: أطراف أربعة
الأول: في ما يصح معه التيمم
وهو ضروب:
الأول: عدم الماء. ويجب عنده الطلب ، فيضرب (1000 متر) في كل جهة من الجهات الأربع إن كانت الأرض سهلة، و (500 متر) إن كانت حزنة. ولو أخل بالضرب حتى ضاق الوقت أخطأ، وصح تيممه وصلاته. ولا فرق بين عدم الماء أصلاً، ووجود ماء لا يكفيه لطهارته.
الثاني: عدم الوصلة إليه. فمن عدم الثمن فهو كمن عدم الماء، وكذا إن وجده بثمن يضر به في الحال، وإن لم يكن مضراً في الحال لزم شراؤه ولو كان بأضعاف ثمنه المعتاد، وكذا القول في الآلة التي يخرج بها الماء.
الثالث: الخوف. ولا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصاً أو سبعاً أو يخاف ضياع مال، وكذا لو خشي المرض الشديد أو تشقق الجلد والتهابه باستعماله الماء شديد البرودة جاز له التيمم، وكذا لو كان معه ماء للشرب وخاف العطش إن استعمله.
الطرف الثاني: فيما يجوز التيمم به
وهو: كل ما يقع عليه أسم الأرض. ولا يجوز التيمم بالمعادن، ولا بالرماد ولا بالنبات المنسحق كالاشنان والدقيق. ويجوز التيمم بأرض النورة، والجص، وتراب القبر، وبالتراب المستعمل في التيمم. ولا يصح التيمم بالتراب المغصوب ولا بالنجس، ولا بالوحل مع وجود التراب. وإذا مزج التراب بشيء من المعادن فإن استهلكه التراب جاز، وإلا لم يجز.
ويكره بالسبخة والرمل. ويستحب أن يكون من ربا الأرض وعواليها. ومع فقد التراب يتيمم بغبار ثوبه، أو لبد سرجه، أو عرف دابته، ومع فقد ذلك يتيمم بالوحل.
الطرف الثالث: في كيفية التيمم
ولا يصح التيمم قبل دخول الوقت، ويصح مع تضييقه، ولا يصح مع سعته إلا إذا حصل اليأس من الطهارة المائية كحال المريض الذي يضره الماء.
والواجب في التيمم: النية، واستدامة حكمها، والترتيب: يضع يديه على الأرض، ثم يمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه، ثم يضع يديه على الأرض ويمسح ظاهر الكفين. ولابد من ضربتين ضربة للوجه وضربة للكفين للوضوء والغسل. وإن قطعت كفاه سقط مسحهما، واقتصر على الجبهة. ولو قطع بعضهما مسح على ما بقي.
ويجب: استيعاب مواضع المسح في التيمم، فلو أبقى منها شيئاً لم يصح. ويستحب: نفض اليدين بعد ضربهما على الأرض. ولو تيمم وعلى جسده نجاسة صح تيممه، كما لو تطهر بالماء وعليه نجاسة، لكن يراعي في التيمم ضيق الوقت.
الطرف الرابع: في أحكامه
وهي عشرة:
الأول: من صلى بتيممه لا يعيد، سواء كان في حضر أو سفر.
الثاني: يجب عليه طلب الماء، فإن أخل بالطلب وصلى ثم وجد الماء في رحله أو مع أصحابه تطهر وأعاد الصلاة.
الثالث: من عدم الماء وما يتيمم به لقيد أو حبس في موضع نجس يسقط عنه الفرض أداء وقضاء، ويجب عليه الدعاء وقت الفرض.
الرابع: إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة تطهر، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة، وإن وجده وهو في الصلاة فإن تمكن من الماء دون أن يقطع صلاته تطهر وأتم الصلاة، وإلا فيمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام.
الخامس: المتيمم يستبيح ما يستبيحه المتطهر بالماء .
السادس: إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم، فإن كان ملكا لأحدهم اختص به، وإن كان ملكاً لهم جميعاً أو لا مالك له أو مع مالك يسمح ببذله، فالأفضل تخصيص الميت به.
السابع: الجنب إذا تيمم بدلاً من الغسل، ثم أحدث أعاد التيمم بدلاً من الوضوء إذا كان حدثه أصغر ولم يتمكن من الوضوء.
الثامن: إذا تمكن من استعمال الماء انتقض تيممه، ولو فقده بعد ذلك افتقر إلى تجديد التيمم. ولا ينتقض التيمم بخروج الوقت ما لم يحدث، أو لم يجد الماء.
التاسع: من كان بعض أعضائه مريضاً لا يقدر على غسله بالماء ولا مسحه جاز له التيمم، ولا يتبعض الطهارة.
العاشر: يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنية الندب، ولا يجوز له الدخول به في غير ذلك من أنواع الصلاة.
* * *
الركن الرابع : في النجاسات وأحكامها
القول في النجاسات:
وهي عشرة أنواع:
الأول والثاني: البول والغائط مما لا يؤكل لحمه، إذا كان للحيوان نفس سائلة، سواء كان جنسه حراماً كالأسد، أو عرض له التحريم كالجلال. ورجيع ما لا نفس سائلة له وبوله طاهر.
الثالث: المني، وهو نجس من كل حيوان حل أكله أو حرم، ومني ما لا نفس سائلة له طاهر.
الرابع: الميتة، ولا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة، وكل ما ينجس بالموت فما قطع من جسده نجس حياً كان أو ميتاً. وما كان منه لا تحله الحياة كالعظم والشعر فهو طاهر، إلا أن تكون عينه نجسة كالكلب والخنزير والكافر.
ويجب الغسل على من مس ميتاً من الناس قبل تطهيره وبعد برده بالموت، وكذا من مس قطعة منه فيها عظم. وغسل اليد على من مس برطوبة ما لا عظم فيه، أو مس برطوبة ميتاً له نفس سائلة من غير الناس.
الخامس: الدماء، ولا ينجس منها إلا ما كان من حيوان له عرق، لا ما يكون له رشح كدم السمك وشبهه.
السادس والسابع: الكلب والخنزير، وهما نجسان عيناً ولعاباً. ولو نزا كلب على حيوان فأولده روعي في إلحاقه بأحكامه إطلاق الاسم. وما عداهما من الحيوان فليس بنجس. والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة طاهرة، ولكن لا يستعمل ماء قليل وقعت فيه فأرة أو جرذ أو وزغة للشرب أو الطهارة، ولا ماء قليل مات فيه وزغ أو عقرب أو أفعى.
الثامن: المسكرات نجسة والعصير العنبي إذا غلا واشتد وإن لم يسكر، ويطهر إذا ذهب ثلثاه.
التاسع: الفقاع.
العاشر: الكافر. وضابطه: كل من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، كالخوارج والغلاة والنواصب. واليهود والنصارى إن لم يكونوا غلاة ولا نواصب فيحكم بطهارتهم. وما عدا ذلك فليس بنجس في نفسه، وإنما تعرض له النجاسة.
ويكره: بول البغال، والحمير، والدواب، وعرق الجنب من الحرام، وعرق الإبل الجلال، والمسوخ، وذرق الدجاج.
القول في أحكام النجاسات:
تجب إزالة النجاسة عن الثياب والبدن للصلاة والطواف ودخول المساجد، وعن الأواني لاستعمالها. وعفي في الثوب والبدن عما يشق التحرز عنه من دم القروح والجروح التي لا (ترقي) وإن كثر، وعما دون دائرة قطرها (1) سنتمتر سعة من الدم المسفوح الذي ليس من أحد الدماء الثلاثة، وما زاد عن ذلك تجب إزالته إن كان مجتمعاً أو متفرقاً. ويجوز الصلاة فيما لا يتم الصلاة فيه منفرداً وإن كان فيه نجاسة لم يعف عنها في غيره.
وتعصر الثياب من النجاسات كلها إلا من بول الرضيع، فإنه يكفي صب الماء عليه. وإذا علم موضع النجاسة غسل، وإن جهل غسل كل موضع يحصل فيه الاشتباه. ويغسل الثوب والبدن من البول مرتين.
وإذا لاقى الكافر أو الكلب أو الخنـزير ثوب الإنسان رطباً غسل موضع الملاقاة واجباً، وإن كان يابساً رشه بالماء استحباباً، وفي البدن يغسل رطباً. وإذا أخل المصلي بإزالة النجاسات عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وفي خارجه، فإن لم يعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة مطلقاً. ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة فإن أمكنه إلقاء الثوب وستر العورة بغيره وجب وأتم، وإن تعذر إلا بما يبطلها أستأنف.
والمربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد غسلته في كل يوم مرة، وإن جعلت تلك الغسلة أمام صلاة الظهر كان حسناً لتصلي الظهرين والعشائين بثوب طاهر. وإذا كان مع المصلي ثوبان وأحدهما نجس لا يعلمه بعينه صلى الصلاة الواحدة في كل واحد منهما منفرداً. وفي الثياب الكثيرة (النجسة وأحدها طاهر) كذلك إلا أن يتضيق الوقت فيصلي عرياناً. ويجب أن يلقي الثوب النجس ويصلي عرياناً إذا لم يكن هناك غيره، وإن لم يمكنه صلى فيه ولا يعيد.
والشمس إذا جففت البول وغيره من النجاسات عن الأرض والبواري والحُصُر طهر موضعه، وكذا كل ما لا يمكن نقله كالنباتات والأبنية بشرط زوال عين النجاسة، والأفضل إلقاء ماء على البول ثم إذا جففته الشمس طهر.
وتطهر النار ما أحالته، والتراب باطن الخف وأسفل القدم والنعل، والأرض يطهر بعضها بعضاً. وماء الغيث لا ينجس في حال وقوعه، ولا في حال جريانه من ميزاب وشبهه، إلا أن تغيره النجاسة.
والماء الذي تغسل به النجاسة نجس سواء كان في الغسلة الأولى أو الثانية، وسواء كان متلوثا بالنجاسة أو لم يكن، هذا إذا بقي على المغسول عين النجاسة، أما إذا نقي المغسول من النجاسة فالغسالة طاهرة، وكذلك القول في الإناء.
القول في الآنية:
ولا يجوز الأكل والشرب في آنية من ذهب أو فضة، ولا استعمالها في غير ذلك. ويكره المفضض، ويجوز اتخاذها لغير الاستعمال. ولا يحرم استعمال غير الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعفت أثمانها. وأواني المشركين طاهرة حتى تعلم نجاستها.
ولا يجوز استعمال شئ من الجلود إلا ما كان طاهراً في حال الحياة ذكياً. ويستحب اجتناب ما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ بعد ذكاته. ويستعمل من أواني الخمر ما كان مقيراً أو مدهوناً بعد غسله. ويكره: ما كان خشباً أو قرعاً أو خزفاً غير مدهون.
ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً أولاهن بالتراب، ومن الخمر والجرذ إذا مات فيه ثلاثاً بالماء، والسبع أفضل. ومن غير ذلك مرة واحدة غير غسلة الإزالة، والثلاث أفضل.
* * *
كتاب الصلاة
والعلم بها يستدعي بيان أربعة أركان :
الركن الأول : في المقدمات
وهي سبع :
الأولى: في أعداد الصلاة
والمفروض منها تسع:
صلاة اليوم والليلة، والجمعة، والعيدين، والكسوف، والزلزلة، والآيات، والطواف، والأموات، وما يلتزمه الإنسان بنذر وشبهه، وما عدا ذلك مسنون.
وصلاة اليوم والليلة خمس وهي: سبع عشرة ركعة في الحضر، الصبح ركعتان، والمغرب ثلاث، وكل واحدة من البواقي أربع. ويسقط من كل رباعية في السفر ركعتان.
ونوافلها في الحضر أربع وثلاثون ركعة: أمام الظهر ثمان، وقبل العصر مثلها، وبعد المغرب أربع، وعقيب العشاء ركعتان من جلوس تعدان بركعة، وإحدى عشر صلاة الليل مع ركعتي الشفع والوتر، وركعتان للفجر قبل الفرض. ويسقط في السفر نوافل الظهر والعصر، أما الوتيرة فلا تسقط. والنوافل كلها ركعتان بتشهد وتسليم بعدهما، إلا المنصوص على إنها أكثر من اثنين بسلام أو أقل كالوتر وصلاة الأعرابي، وسنذكر تفصيل باقي الصلوات في مواضعها إن شاء الله تعالى.
المقدمة الثانية: في المواقيت
والنظر في: مقاديرها، وأحكامها.
أما الأول: فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر والعصر، وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها، وكذلك العصر من آخره، وما بينهما من الوقت مشترك. وكذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب، وتختص من أوله بمقدار ثلاث ركعات، ثم تشاركها العشاء حتى ينتصف الليل للمختار والى طلوع الفجر للمضطر. وتختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات. وما بين طلوع الفجر الثاني - المستطير في الأفق - إلى طلوع الشمس وقت للصبح.
ويعلم الزوال بزيادة الظل بعد نقصانه، والغروب باستتار القرص، وانتظار ذهاب الحمرة من المشرق أفضل لحصول الاطمئنان بسقوط القرص. وخير الأعمال الصلاة في أول وقتها، وصلاة العشاء الأفضل تأخيرها حتى ذهاب الحمرة المغربية وصلاة العصر ساعة أو ساعتين عن زوال الشمس بحسب طول النهار وقصره.
ووقت النوافل اليومية: للظهر من حين الزوال إلى نصف ساعة، وللعصر إلى ساعة ونصف أو ساعتين ونصف بحسب طول النهار، فإن خرج الوقت وقد تلبس من النافلة ولو بركعة زاحم بها الفريضة مخففة، وإن لم يكن صلى شيئاً بدأ بالفريضة ثم يأتي بالنافلة. ولا يجوز تقديمها على الزوال إلا يوم الجمعة. ويزاد في نافلتها أربع ركعات اثنتان منها للزوال. ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربية بمقدار أداء الفريضة، فإن بلغ بذلك ولم يكن صلى النافلة أجمع بدأ بالفريضة. وركعتان من جلوس بعد العشاء ، ويمتد وقتهما بامتداد وقت الفريضة، وينبغي أن يجعلهما خاتمة نوافله.
وصلاة الليل بعد انتصافه، وكلما قرب من الفجر كان أفضل. ولا يجوز تقديمها على الانتصاف إلا لمسافر يصده جده، أو شاب يمنعه رطوبة رأسه وقضاؤها أفضل، وآخر وقتها طلوع الفجر الثاني. فإن طلع ولم يكن تلبس منها بأربع بدأ بركعتي الفجر قبل الفريضة حتى تطلع الحمرة المشرقية، فيشتغل بالفريضة. وإن كان قد تلبس بأربع تممها مخففة ولو طلع الفجر. ووقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر الأول، ويجوز أن يصليهما قبل ذلك، والأفضل إعادتهما بعده، ويمتد وقتهما حتى تطلع الحمرة، ثم تصير الفريضة أولى.
ويجوز أن يقضي الفرائض الخمس في كل وقت ما لم يتضيق وقت الفريضة الحاضرة، وكذا يصلي بقية الصلوات المفروضات، ويصلي النوافل ما لم يدخل وقت فريضة، وكذا قضاؤها.
وأما أحكامها، ففيه مسائل:
الأولى: إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض، وقد مضى من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة وجب عليه قضاؤها، ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك. ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها ويكون مؤدياً، ولو أهمل قضى. ولو أدرك قبل الغروب أو قبل الفجر إحدى الفريضتين لزمته تلك لا غير، وإن أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل الغروب لزمته الفريضتان.
الثانية: الصبي المتطوع بوظيفة الوقت، إذا بلغ بما لا يبطل الطهارة والوقت باق استأنف، وإن بقي من الوقت دون الركعة بنى على نافلته، ولا يجدد نية الفرض.
الثالثة: إذا كان له طريق إلى العلم بالوقت لم يجز له التعويل على الظن، فإن فقد العلم اجتهد، فإن غلب على ظنه دخول الوقت صلى فإن انكشف له فساد الظن قبل دخول الوقت استأنف، وإن كان الوقت دخل وهو متلبس ولو قبل التسليم لم يعد. ولو صلى قبل الوقت عامداً أو جاهلاً أو ناسياً كانت صلاته باطلة.
الرابعة: الفرائض اليومية مرتبة في القضاء بالنسبة لليوم الواحد، فلو دخل في فريضة فذكر أن عليه سابقة من نفس اليوم عدل بنيته ما دام العدول ممكناً، وإلا أستأنف المرتبة. أما بالنسبة ليومين مختلفين فلا يشترط الترتيب في القضاء، فله أن يقضي صلاة الصبح ليوم قبل أن يقضي الظهر ليوم سبقه.
الخامسة: لا تكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند قيامها، وبعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر.
السادسة: ما يفوت من النوافل ليلاً يستحب تعجيله ولو في النهار، وما يفوت نهاراً يستحب تعجيله ولو ليلاً، ولا ينتظر بها النهار.
السابعة: الأفضل في كل صلاة أن يؤتى بها في أول وقتها، إلا المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات، فإن تأخيرها إلى المزدلفة أولى ولو صار إلى ربع الليل. والعشاء الأفضل تأخيرها حتى يسقط الشفق الأحمر. والمتنفل يؤخر الظهر والعصر حتى يأتي بنافلتهما. والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب.
الثامنة: لو ظن أنه صلى الظهر فاشتغل بالعصر، فإن ذكر وهو فيها عدل بنيته، وإن لم يذكر حتى فرغ فإن كان قد صلى في أول وقت الظهر عاد بعد أن يصلي الظهر، وإن كان في الوقت المشترك أو دخل وهو فيها أجزأته وأتى بالظهر.
المقدمة الثالثة: في القبلة
والنظر في: القبلة، والمستقبل، وما يجب له، وأحكام الخلل.
الأول: القبلة.
وهي: الكعبة لمن كان في المسجد، والمسجد لمن كان في الحرم، والحرم لمن خرج عنه. وجهة الكعبة هي القبلة لا البنية، ولو زالت البنية صلى إلى جهتها، كما يصلي من هو أعلى موقفاً منها. وإن صلى في جوفها استقبل على أي جدرانها شاء على كراهية في الفريضة. ولو صلى على سطحها أبرز بين يديه منها ما يصلي إليه، ولا يحتاج إلى أن ينصب بين يديه شيئاً. وكذا لو صلى إلى بابها وهو مفتوح.
ولو استطال صف المأمومين في المسجد حتى خرج بعضهم عن سمت الكعبة بطلت صلاة ذلك البعض. وأهل كل إقليم يتوجهون إلى سمت الركن الذي على جهتهم، فأهل العراق إلى العراقي وهو الذي فيه الحجر، وأهل الشام إلى الشامي والمغرب إلى المغربي، واليمن إلى اليماني. وقبلة أهل العراق تقع بين الجنوب والغرب، فلو عرف الجدي عرف الشمال وعرف الجنوب، فإذا توجه إلى الجنوب فالقبلة تقع بين يمينه ووجهه.
الثاني: في المستقبل.
ويجب الاستقبال في الصلاة مع العلم بجهة القبلة، فإن جهلها عول على الامارات المفيدة للظن. وإذا اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده يعمل بما يظن أنه أصح. ولو لم يكن له طريق إلى الاجتهاد فأخبره كافر يعمل بخبره إن ظن بصحته . ويعول على قبلة البلد إذا لم يعلم أنها بنيت على الغلط. ومن ليس متمكناً من الاجتهاد كالأعمى يعول على غيره. ومن فقد العلم والظن فإن كان الوقت واسعاً صلى الصلاة الواحدة إلى أربع جهات لكل جهة مرة، وإن ضاق عن ذلك صلى من الجهات ما يحتمله الوقت، فإن ضاق إلا عن صلاة واحدة صلاها إلى أي جهة شاء.
والمسافر يجب عليه استقبال القبلة ، ويجوز له أن يصلي شيئاً من الفرائض على الراحلة عند الضرورة ويستقبل القبلة، فإن لم يتمكن استقبل القبلة بما أمكنه من صلاته، وينحرف إلى القبلة كلما انحرفت الدابة، فإن لم يتمكن استقبل بتكبيرة الإحرام، ولو لم يتمكن من ذلك أجزأته الصلاة وإن لم يكن مستقبلاً. وكذا المضطر إلى الصلاة ماشياً مع ضيق الوقت. ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع والسجود وفرائض الصلاة يجوز له أداء الفريضة على الراحلة اختياراً.
الثالث : ما يستقبل له.
ويجب الاستقبال في فرائض الصلاة مع الإمكان، وعند الذبح، وبالميت عند احتضاره ودفنه والصلاة عليه. وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها. ويجوز أن يصلي على الراحلة سفراً أو حضراً، وإلى غير القبلة على كراهية متأكدة في الحضر ما لم يستدبر القبلة وإلا بطلت. ويسقط فرض الاستقبال في كل موضع لا يتمكن منه كصلاة المطاردة، وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردية بحيث لا يمكن صرفها إلى القبلة.
الرابع : في أحكام الخلل.
وهي مسائل:
الأولى: الأعمى يرجع إلى غيره لقصوره عن الاجتهاد، فإن عول على رأيه مع وجود المبصر لإمارة وجدها صح، وإلا فعليه الإعادة.
الثانية: إذا صلى إلى جهة إما لغلبة الظن أو لضيق الوقت ثم تَبَيّن خطأه، فإن كان منحرفاً بين اليمين والشمال ولم يستدبر القبلة فصلاته صحيحة ولا يعيدها في الوقت أو خارجه، وإذا استدبر القبلة أعاد في الوقت ولا يعيدها في خارجه، فأما إذا تَبَيّن الخلل وهو في الصلاة فإنه يستقيم على كل حال ولا إعادة.
الثالثة: إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخرى، فإن تجدد عنده شك استأنف الاجتهاد، وإلا بنى على الأول.
المقدمة الرابعة: في لباس المصلي
وفيه مسائل:
الأولى: لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ولو كان مما يؤكل لحمه، سواء دبغ أو لم يدبغ. وما لا يؤكل لحمه - وهو طاهر في حياته مما يقع عليه الذكاة - إذا ذكي كان طاهراً، ولا يستعمل في الصلاة. ولا يفتقر استعماله في غيرها إلى الدباغ، ولكن يكره استعماله قبل الدباغ.
الثانية: الصوف والشعر والوبر والريش مما يؤكل لحمه طاهر، سواء جز من حي أو مذكى أو ميت، ويجوز الصلاة فيه. ولو قلع من الميت غسل منه موضع الاتصال، وكذا كل ما لا تحله الحياة من الميت إذا كان طاهراً في حال الحياة. وما كان نجساً في حال حياته فجميع ذلك منه نجس، ولا تصح الصلاة في شئ من ذلك إذا كان مما لا يؤكل لحمه ولو أخذ من مذكى، إلا الخز الخالص فتجوز الصلاة فيه، ولا تجوز في المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب.
الثالثة: تجوز الصلاة في فرو السنجاب، ولا تجوز في فرو الثعالب والأرانب.
الرابعة : لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال ولا الصلاة فيه إلا في الحرب، فإنه يستحب وضع قطعة حرير على الصدر، وعند الضرورة كالبرد المانع من نزعه، ويجوز للنساء مطلقاً. وفيما لا يتم الصلاة فيه كالتكة والقلنسوة لا يجوز كذلك، ويجوز الركوب عليه وافتراشه. ويكره الصلاة في ثوب مكفوف به. وإذا مزج بشئ مما يجوز فيه الصلاة حتى خرج عن كونه محضاً جاز لبسه والصلاة فيه، سواء كان أكثر من الحرير أو أقل منه على كراهية.
الخامسة: الثوب المغصوب لا يجوز الصلاة فيه، ولو أذن صاحبه لغير الغاصب أو له جازت الصلاة فيه مع تحقق الغصبية، ولو أذن مطلقاً جاز لغير الغاصب.
السادسة: لا يجوز الصلاة في حذاء له قاعدة تجعل الإبهام معلقاً في الهواء وغير مرتكز على الأرض. ويجوز الصلاة في الحذاء والنعل إن لم يكن كذلك.
السابعة: كل ما عدا ما ذكرناه يصح الصلاة فيه، بشرط أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه، وأن يكون طاهراً، وقد بينا حكم الثوب النجس. ويجوز للرجل أن يصلي في ثوب واحد، ولا يجوز للمرأة إلا في ثوبين درع وخمار ساترة جميع جسدها عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين. ويجوز أن يصلي الرجل عرياناً إذا ستر قبله ودبره على كراهية، وإذا لم يجد ثوباً سترهما بما وجده ولو بورق الشجر، ومع عدم ما يستر به يصلي عرياناً قائماً إن كان يأمن أن يراه أحد، وإن لم يأمن صلى جالساً، وفي الحالين يومئ عن الركوع والسجود. والأمة والصبية تصليان بغير خمار، فإن أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وجب عليها ستر رأسها، فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت، وكذا الصبية إذا بلغت في أثناء الصلاة بما لا يبطلها.
الثامنة: تستحب الصلاة في الثياب البيض، ولا تكره في الثياب السود، وتكره في ثوب واحد رقيق للرجال، فإن حكى ما تحته لم يجز.
ويكره أن يأتزر فوق القميص، وأن يشتمل الصماء، أو يصلي في عمامة لا حنك لها، ويكره لبس العمامة بلا حنك مطلقاً. ويكره اللثام للرجل، والنقاب للمرأة وإن منع عن القراءة حرم. وتكره الصلاة في قباء مشدود إلا في الحرب، وأن يؤم بغير رداء، وأن يصحب شيئاً من الحديد بارزاً، وفي ثوب يتهم صاحبه. وأن تصلي المرأة في خلخال له صوت. ويكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل، أو خاتم فيه صورة.
المقدمة الخامسة: في مكان المصلي
الصلاة في الأماكن كلها جائزة بشرط أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه.
والإذن قد يكون بعوض كالأجرة وشبهها، وبالإباحة وهي: إما صريحة كقوله صل فيه، أو بالفحوى كأذنه في الكون فيه، أو بشاهد الحال كما إذا كان هناك إمارة تشهد أن المالك لا يكره.
والمكان المغصوب لا تصح فيه الصلاة للغاصب، ولا لغيره ممن علم الغصب. وإن صلى عامداً عالماً كانت صلاته باطلة، وإن كان ناسياً أو جاهلاً بالغصبية صحت صلاته، ولو كان جاهلاً بتحريم المغصوب لم يعذر. وإذا ضاق الوقت وهو آخذ في الخروج صحت صلاته، ولو صلى ولم يتشاغل بالخروج لم تصح. ولو حصل في ملك غيره بأذنه ثم أمره بالخروج وجب عليه، وإن صلى والحال هذه كانت صلاته باطلة، ويصلي وهو خارج إن كان الوقت ضيقاً. ولا يجوز أن يصلي وإلى جانبه امرأة تصلي أو أمامه، سواء صلت بصلاته أو كانت منفردة، وسواء كانت محرما أو أجنبية. ويزول التحريم إذا كان بينهما حائل أو مقدار عشرة أذرع. ولو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع سجودها محاذياً لقدمه سقط المنع. ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من التباعد صلى الرجل أولاً، ثم المرأة. ولا بأس أن يصلي في الموضع النجس إذا كانت نجاسته لا تتعدى إلى ثوبه، ولا إلى بدنه، وكان موضع الجبهة طاهراً.
وتكره الصلاة: في الحمام، وبيوت الغائط، ومبارك الإبل، ومساكن النمل، ومجرى المياه، والأرض السبخة، والثلج، وبين المقابر، إلا أن يكون حائل ولو عَنَزَة (خشبة طويلة)، أو بينه وبينها عشرة أذرع. وبيوت النيران، وبيوت الخمور إذا لم تتعد إليه نجاستها، وجواد الطرق، وبيوت المجوس، ولا بأس بالبيع والكنائس.
ويكره: أن تكون بين يديه نار مضرمة، أو تصاوير. وكما تكره الفريضة في جوف الكعبة تكره على سطحها. وتكره في مرابط الخيل، والحمير، والبغال، ولا بأس بمرابض الغنم، وفي بيت فيه مجوسي، ولا بأس باليهودي والنصراني. ويكره بين يديه مصحف مفتوح، أو حائط ينز من بالوعة يبال فيها، ويكره إلى إنسان مواجه إلا أن يكون الحجة على الناس كالإمام (ع)، أو باب مفتوح.
المقدمة السادسة: في ما يسجد عليه
لا يجوز السجود على ما ليس بأرض كالجلود والصوف والشعر والوبر، ولا على ما هو من الأرض إذا كان معدناً كالملح والعقيق والذهب والفضة والقير إلا عند الضرورة، ولا على ما ينبت من الأرض إذا كان مأكولاً كالخبز والفواكه ، أو ملبوساً القطن والكتان. ولا يجوز السجود على الوحل، فإن اضطر أومأ. ويجوز السجود على القرطاس، ويكره إذا كان فيه كتابة. ولا يسجد على شئ من بدنه فإن منعه الحر عن السجود على الأرض سجد على ثوبه، وإن لم يتمكن فعلى كفه.
والذي ذكرناه إنما يعتبر في موضع الجبهة خاصة لا في بقية المساجد، ويراعي فيه أن يكون مملوكاً، أو مأذوناً فيه، وأن يكون خالياً من النجاسة. وإذا كانت النجاسة في موضع محصور كالبيت وشبهه وجهل موضع النجاسة لم يسجد على شئ منه. ويجوز السجود في المواضع المتسعة دفعاً للمشقة.
المقدمة السابعة: في الأذان والإقامة
والنظر في أربعة أشياء:
الأول: فيما يؤذن له ويقام.
وهما واجبان في الصلوات الخمس المفروضة أداء وقضاء، للمنفرد والجامع، للرجل والمرأة لكن يشترط أن تسر به المرأة، ويتأكدان فيما يجهر فيه، وأشدهما في الغداة والمغرب. ولا يؤذن لشيء من النوافل ولا لشيء من الفرائض عدا الخمس، بل يقول المؤذن: الصلاة ثلاثاً.
وقاضي الصلوات الخمس يؤذن لكل واحدة ويقيم، ولو أذن للأولى من ورده ثم أقام للبواقي كفى، وكان دونه في الفضل. ويصلي يوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة والعصر بإقامة، وكذا في الظهر والعصر بعرفة. ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا على كراهية، وما دام الأولى لم تتفرق، فإن تفرقت صفوفهم أذن الآخرون وأقاموا. وإذا أذن المنفرد ثم أراد الجماعة يستحب له أعادة الآذان والإقامة.
الثاني : في المؤذن.
ويعتبر فيه: العقل، والإسلام، والإيمان، والذكورة، ولا يشترط البلوغ بل يكفي كونه مميزاً. ويستحب: أن يكون عدلاً صَيِّتاً مبصراً، بصيراً بالأوقات متطهراً قائماً على مرتفع. ولو أذنت المرأة للنساء جاز. ولو صلى منفرداً ولم يؤذن - ساهياً - مضى في صلاته. ويعطى المؤذن الأجرة من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به.
الثالث: في كيفية الأذان.
ولا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، ويجوز تقديمه على الصبح لكن يجب إعادته بعد طلوعه.
وفصول الأذان هي: التكبير أربع، والشهادة بالتوحيد (أشهد أن لا اله إلا الله)، ثم بالرسالة (أشهد أن محمداً رسول الله)، ثم بالولاية (أشهد أن علياً والأئمة من ولده حجج الله)، ثم بالهداية (أشهد أن المهدي والمهديين من ولده حجج الله)، ثم يقول: حي على الصلاة، ثم حي على الفلاح، ثم حي على خير العمل، والتكبير بعده، ثم التهليل، كل فصل مرتان.
والإقامة فصولها مثنى مثنى، ويزاد فيها: قد قامت الصلاة مرتين، ويسقط من التهليل في آخرها مرة واحدة. والترتيب شرط في صحة الآذان والإقامة.
ويستحب فيهما سبعة أشياء: أن يكون مستقبل القبلة، وأن يقف على أواخر الفصول، ويتأنى في الآذان، ويحدر في الإقامة، وأن لا يتكلم في خلالهما، وأن يفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة إلا في المغرب، فإن الأولى أن يفصل بينهما بخطوة أو سكتة، وأن يرفع الصوت به إذا كان ذكراً، وكل ذلك يتأكد في الإقامة. ويكره الترجيع في الآذان إلا أن يريد الإشعار، وكذا يحرم قول: الصلاة خير من النوم.
الرابع: في أحكام الآذان.
وفيه مسائل:
الأولى: من نام في خلال الآذان أو الإقامة ثم استيقظ استحب له استئنافه، ويجوز له البناء، وكذا إن أغمي عليه.
الثانية: إذا أذن ثم ارتد جاز أن يعتد به ويقيم غيره، ولو ارتد في أثناء الآذان ثم رجع أستأنف.
الثالثة: يستحب لمن سمع الآذان أن يحكيه مع نفسه.
الرابعة: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، كره الكلام كراهية مغلظة إلا ما يتعلق بتدبير المصلين.
الخامسة: يكره للمؤذن أن يلتفت يميناً وشمالاً، لكن يلزم سمت القبلة في أذانه.
السادسة: إذا تشاح الناس في الآذان قدم الأعلم فالأتقى، ومع التساوي يستخار الله بالقرآن.
السابعة: إذا كانوا جماعة جاز أن يؤذنوا جميعاً ، والأفضل إن كان الوقت متسعاً أن يؤذنوا واحداً بعد واحد.
الثامنة: إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزئ به في الجماعة، وإن كان ذلك المؤذن منفرداً.
التاسعة: من أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنى في الأذان، وكذا في الإقامة، والأفضل أن يعيد الإقامة بعد أن يتطهر.
العاشرة: من أحدث في الصلاة تطهر وأعادها، ولا يعيد الإقامة إلا أن يتكلم.
الحادية عشرة: من صلى خلف إمام لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام، فإن خشي فوات الصلاة اقتصر على تكبيرتين، وعلى قوله: قد قامت الصلاة. وإن أخل بشيء من فصول الآذان استحب للمأموم أن يتلفظ به.
* * *
الركن الثاني : في أفعال الصلاة
وهي: واجبة ومندوبة، فالواجبات ثمانية:
الأول: النية
وهي ركن في الصلاة، ولو أخل بها عامداً أو ناسياً لم تنعقد صلاته. وحقيقتها: استحضار صفة الصلاة في الذهن، والقصد بها إلى أمور أربعة: الوجوب أو الندب، والقربة، والتعيين، وكونها أداء وقضاء، ولا عبرة باللفظ. ووقتها: عند أول جزء من التكبير. ويجب استمرار حكمها إلى آخر الصلاة، وهو أن لا ينقض النية الأولى. ولو نوى الخروج من الصلاة لم تبطل، وكذا لو نوى أن يفعل ما ينافيها، فإن فعله بطلت. وكذا لو نوى بشئ من أفعال الصلاة الرياء، أو غير الصلاة. ويجوز نقل النية في موارد: كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ غيرها، وكنقل الفريضة الحاضرة إلى سابقة عليها مع سعة الوقت.
الثاني: تكبيرة الإحرام
وهي ركن، ولا تصح الصلاة من دونها ولو أخل بها نسياناً. وصورتها أن يقول: الله أكبر. ولا تنعقد بمعناها، ولو أخل بحرف منها لم تنعقد صلاته. فإن لم يتمكن من التلفظ بهما كالأعجم لزمه التعلم. ولا يتشاغل بالصلاة مع سعة الوقت، فإن ضاق أحرم بترجمتها. والأخرس ينطق بها بقدر الإمكان، فإن عجز عن النطق أصلاً عقد قلبه بمعناها مع الإشارة. والترتيب فيها واجب، ولو عكس لم تنعقد الصلاة.
ويجب إن يكبر ست تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام فتكون التكبيرات سبع، الأولى هي تكبيرة الافتتاح. ولو كبر ونوى الافتتاح، ثم كبر ونوى الافتتاح بطلت صلاته. وإن كبر ثالثة ونوى الافتتاح انعقدت الصلاة أخيراً، ويكبر بعدها ست تكبيرات. ويجب أن يكبر قائماً فلو كبر قاعداً مع القدرة، أو هو آخذ في القيام لم تنعقد صلاته.
والمسنون فيها أربعة: أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مد بين حروفها، وبلفظ أكبر على وزن أفعل، وأن يسمع الإمام من خلفه تلفظه بها، وأن يرفع المصلي يديه إلى أذنيه حيث يرفع طرف الوسطى إلى الأذن، أما الإبهام فيكون منتصب موجه إلى المنحر.
الثالث: القيام
وهو ركن مع القدرة، فمن أخل به عمداً أو سهواً بطلت صلاته. وإذا أمكنه القيام مستقلاً وجب، وإلا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام، ويجوز الاعتماد على الحائط مع القدرة. ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته، وإلا صلى قاعداً. والقاعد إذا تمكن من القيام إلى الركوع وجب، وإلا ركع جالساً. وإذا عجز عن القعود صلى مضطجعاً، فإن عجز صلى مستلقياً، والأخيران يوميان لركوعهما وسجودهما. ومن عجز عن حالة في أثناء الصلاة انتقل إلى ما دونها مستمراً، كالقائم يعجز فيقعد، أو القاعد يعجز يضطجع، أو المضطجع يعجز فيستلقي، وكذا بالعكس. ومن لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه، فإن لم يقدر أومأ.
والمسنون في هذا الفصل شيئان: أن يتربع المصلي قاعداً في حال قراءته ويثني رجليه في حال ركوعه، ويتورك في حال تشهده.
الرابع: القراءة
وهي واجبة، ويتعين بالحمد في كل ثنائية، وفي الأوليين من كل رباعية وثلاثية. ويجب قراءتها أجمع. ولا يصح الصلاة مع الإخلال ولو بحرف واحد منها عمداً حتى التشديد، وكذا إعرابها. والبسملة آية منها، تجب قراءتها معها، ولا يجزي المصلي ترجمتها. ويجب ترتب كلماتها وآيها على الوجه المنقول، فلو خالف عمداً أعاد. وإن كان ناسياً استأنف القراءة ما لم يركع، وإن ركع مضى في صلاته ولو ذكر.
ومن لا يحسنها يجب عليه التعليم، فإن ضاق الوقت قرأ ما تيسر منها أو بسملتها عشرة مرات، وإن تعذر قرأ ما تيسر من غيرها، أو سبح الله وحمد الله وهلّله وكبره بقدر القراءة، ثم يجب عليه التعلم. والأخرس يحرك لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه. والمصلي في كل ثالثة ورابعة يقرأ الحمد الإمام والمأموم والمنفرد، فإن تعذر يقرأ البسملة عشرة مرات، فإن تعذر سبح.
وقراءة سورة كاملة بعد الحمد في الأوليين واجب في الفرائض مع سعة الوقت وإمكان التعليم للمختار. ولو قدم السورة على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد. ولا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئاً من سور العزائم، ولا ما يفوت الوقت بقراءته. ويجوز أن يقرن بين سورتين.
ويجب الجهر بالحمد والسورة في الصبح، وفي أولى المغرب، والعشاء. والاخفات في الظهرين، وثالثة المغرب، والأخريين من العشاء. وأقل الجهر أن يسمعه القريب الصحيح السمع إذا استمع، والاخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع. وليس على النساء جهر.
والمسنون في هذا القسم: الجهر بالبسملة في موضع الاخفات في أول الحمد، وأول السورة، وترتيل القراءة، والوقف على مواضعه، وقراءة سورة بعد الحمد في النوافل. وأن يقرأ في الظهرين والمغرب بالسور القصار ك"القدر" و "الجحد"، وفي العشاء بـ" الأعلى" و "الطارق" وما شاكلهما، وفي الصبح بـ"المدثر" و "المزمل" وما ماثلهما، وفي غداة الاثنين والخميس بـ "هل أتى"، وفي المغرب والعشاء ليلة الجمعة بـ" الجمعة" و "الأعلى"، وفي صبحها بها وبـ" قل هو الله أحد"، وفي الظهرين بها وبـ"المنافقين"، وفي نوافل النهار بالسور القصار ويسر بها، وفي الليل بالطوال ويجهر بها ، ومع ضيق الوقت يخفف وأن يقرأ " قل يا أيها الكافرون " في المواضع السبعة، ولو بدأ بسورة "التوحيد" جاز. ويقرأ في أوليي صلاة الليل ثلاثين مرة "قل هو الله أحد"، وفي البواقي بطوال السور. ويسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم يبلغ العلو، كذا الشهادتين استحباباً. وإذا مر المصلي بآية رحمة سألها، أو آية نقمة استعاذ منها.ـ"المنافقين"، وفي نوافل النهار بالسور القصار ويسر بها، وفي الليل بالطوال ويجهر بها ، ومع ضيق الوقت يخفف وأن يقرأ " قل يا أيها الكافرون " في المواضع السبعة، ولو بدأ بسورة "التوحيد" جاز. ويقرأ في أوليي صلاة الليل ثلاثين مرة "قل هو الله أحد"، وفي البواقي بطوال السور. ويسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم يبلغ العلو، كذا الشهادتين استحباباً. وإذا مر المصلي بآية رحمة سألها، أو آية نقمة استعاذ منها.
وها هنا مسائل سبع:
الأولى: لا يجوز قول آمين آخر الحمد .
الثانية: الموالاة في القراءة شرط في صحتها، فلو قرأ في خلالها من غيرها أستأنف القراءة، وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت. أما لو سكت في خلال القراءة لا بنية القطع، أو نوى القطع ولم يقطع مضى في صلاته.
الثالثة: "الضحى" و "ألم نشرح" سورة واحدة، وكذا "الفيل" و "لإيلاف" فلا يجوز إفراد إحديهما من صاحبتها في كل ركعة، ولا يفتقر إلى البسملة بينهما.
الرابعة: إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلاً أو ناسياً لم يعد.
الخامسة: يجزيه عوضاً عن الحمد إذا تعذر عليه قراءتها قراءة بسملتها عشر مرات أو اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها: سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ثلاثاً.
السادسة: من قرأ سورة من العزائم في النوافل يجب أن يسجد في موضع السجود وكذا إن قرأ غيره وهو يستمع، ثم ينهض ويقرأ ما تخلف منها ويركع. وإن كان السجود في آخرها يستحب له قراءة الحمد ليركع عن قراءة.
السابعة: المعوذتان من القرآن، ويجوز أن يقرأ بهما في الصلاة فرضها ونفلها.
الخامس: الركوع
وهو واجب في كل ركعة مرة إلا في الكسوف والآيات، وهو ركن في الصلاة، وتبطل بالإخلال به عمداً وسهواً على تفصيل سيأتي، والواجب فيه خمسة أشياء:
الأول: أن ينحني فيه بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه، وإن كانت يداه في الطول بحد تبلغ ركبتيه من غير انحناء انحنى كما ينحني مستوي الخلقة. وإذا لم يتمكن من الانحناء لعارض أتى بما يتمكن منه، فإن عجر أصلاً اقتصر على الإيماء ولو كان كالراكع خلقة أو لعارض وجب أن يزيد لركوعه يسير انحناء ليكون فارقاً.
الثاني: الطمأنينة فيه بقدر ما يؤدي واجب الذكر مع القدرة، ولو كان مريضاً لا يتمكن سقطت منه، كما لو كان العذر في أصل الركوع.
الثالث: رفع الرأس منه، فلا يجوز أن يهوي إلى السجود قبل انتصابه منه، إلا مع العذر، ولو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب.
الرابع: الطمأنينة في الانتصاب، وهو أن يعتدل قائماً ويسكن ولو يسيراً.
الخامس: التسبيح فيه، ويكفي الذكر ولو كان تكبيراً أو تهليلا ًأو حمداً أو شكراً لله. وأقل ما يجزي للمختار تسبيحة واحدة تامة، وهي: سبحان ربي العظيم وبحمده، أو العلي، أو يقول: سبحان الله ثلاثاً، وفي الضرورة واحدة صغرى. ويجب التكبير للركوع.
والمسنون في هذا القسم: أن يكبر للركوع قائماً رافعاً يديه بالتكبير محاذياً بأذنيه، ويرسلهما ثم يركع، وأن يضع يديه على ركبتيه مفرجات الأصابع. ولو كان بأحديهما عذر وضع الأخرى، ويرد ركبتيه إلى خلفه ، ويسوي ظهره، ويمد عنقه موازياً لظهره، وأن يدعو أمام التسبيح، وأن يسبح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً فما زاد، وأن يرفع الإمام صوته بالذكر فيه، وأن يقول بعد انتصابه: سمع الله لمن حمده، ويدعو بعده. ويكره: أن يركع ويداه تحت ثيابه.
السادس: السجود
وهو واجب في كل ركعة سجدتان، وهما ركن [معاً] في الصلاة، تبطل بالإخلال بهما من
كل ركعة عمداً وسهواً، ولا تبطل بالإخلال بواحدة سهواً.
وواجبات السجود ستة:
الأول: السجود على سبعة أعضاء: الجبهة، والكفان، والركبتان وإبهاما الرجلين.
الثاني: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، فلو سجد على كور العمامة لم يجز.
الثالث: أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع الجبهة موقفه، إلا أن يكون علواً يسيراً بمقدار لبنة لا أزيد. فإن عرض ما يمنع عن ذلك اقتصر على ما يتمكن منه، وإن افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب ، وإن عجز عن ذلك كله أومأ إيماء.
الرابع: الذكر فيه كما قلناه في الركوع، ولكن بدل العظيم والعلي الأعظم والأعلى.
الخامس: الطمأنينة واجبة إلا مع الضرورة المانعة.
السادس: رفع الرأس من السجدة الأولى حتى يعتدل مطمئناً، ويجب التكبير للأخذ فيه والرفع منه.
ويستحب فيه: أن يكبر للسجود قائماً رافعاً يديه أمام وجهه، وأطراف أصابعه قرب أذنيه، والإبهام منتصب إلى منحره وهي صلاة الملائكة. ثم يهوي للسجود سابقاً بيديه إلى الأرض، وأن يكون موضع سجوده مساوياً لموقفه أو أخفض، وأن يرغم بأنفه ويدعو، ويزيد على التسبيحة الواحدة ما تيسر، ويدعو بين السجدتين، وأن يقعد متوركاً، وأن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئناً، ويدعو عند القيام، ويعتمد على يديه سابقاً برفع ركبتيه. ويكره: الاقعاء بين السجدتين.
مسائل ثلاث:
الأولى: من به ما يمنع من وضع الجبهة على الأرض كالدمل إذا لم يستغرق الجبهة يحتفر حفيرة ليقع السليم من جبهته على الأرض، فإن تعذر سجد على أحد الجبينين، فإن كان هناك مانع سجد على ذقنه.
الثانية: سجدات القرآن خمس عشرة، أربع منها واجبة وهي: في سورة "ألم" و "حم السجدة" و "النجم" و "أقرأ باسم ربك"، وإحدى عشرة مسنونة وهي: في "الأعراف" و "الرعد" و "النحل" و "بني إسرائيل" و "مريم" و "الحج" في موضعين، و "الفرقان" و "النمل" و "ص" و "إذا السماء انشقت". والسجود واجب في العزائم الأربع للقارئ والمستمع ويستحب للسامع، وفي البواقي يستحب على كل حال. وليس في شيء من السجدات تكبير ولا تشهد ولا تسليم، ولا يشترط فيها الطهارة، ولا استقبال القبلة، ولو نسيها أتى بها فيما بعد.
الثالثة: سجدتا الشكر مستحبتان عند تجدد النعم، ودفع النقم، وعقيب الصلوات، ويستحب بينهما التعفير.
السابع: التشهد
وهو واجب في كل ثنائية مرة، وفي الثلاثية والرباعية مرتين. ولو أخل بهما أو بأحدهما عامداً بطلت صلاته. والواجب في كل واحد منهما خمسة أشياء: الجلوس بقدر التشهد، والشهادتان، والصلاة على النبي وعلى آله (ع)، وصورتهما: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله ويقول: اللهم صل على محمد وآل محمد. ومن لم يحسن التشهد وجب عليه الإتيان بما يحسن منه مع ضيق الوقت، ثم يجب عليه تعلم ما لا يحسن منه.
ومسنون هذا القسم: أن يجلس متوركاً، وصفته: أن يجلس على وركه الأيسر، ويخرج رجليه جميعاً ، فيجعل ظاهر قدمه الأيسر إلى الأرض، وظاهر قدمه الأيمن إلى باطن الأيسر، وأن يقول ما زاد على الواجب من تحميد ودعاء.
الثامن: التسليم
وهو واجب، ولا يخرج من الصلاة إلا به، وهو أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومسنون هذا القسم: أن يسلم المنفرد إلى القبلة تسليمة واحدة، ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه، والإمام بصفحة وجهه، وكذا المأموم. ثم إن كان على يساره غيره أومى بتسليمة أخرى إلى يساره، بصفحة وجهه أيضاً.
وأما المسنون في الصلاة ، فخمسة:
الأول: الدعاء بعد كل تكبيرتين من التكبيرات الست المضافة إلى تكبيرة الإحرام بأن يكبر ثلاثاً ثم يدعو، ثم يكبر اثنين ثم يدعو، ثم يكبر اثنين ويتوجه والأولى من السبع هي تكبيرة الإحرام فيوقع معها نية الصلاة، ويكون ابتداء الصلاة عندها.
الثاني: القنوت، هو في كل ثانية قبل الركوع وبعد القراءة. ويستحب أن يدعو بالأذكار المروية، وإلا فبما شاء وأقله ثلاثة تسبيحات، كما يستحب أن يقنت بعد الركوع الأخير من كل صلاة، وفي الجمعة قنوتان، في الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع، ولو نسيه قضاه بعد الركوع.
الثالث: شغل النظر في حال قيامه إلى موضع سجوده، وفي حال القنوت إلى باطن كفيه، وفي حال الركوع إلى ما بين رجليه، وفي حال السجود إلى طرف أنفه، وفي حال تشهده إلى حجره، والأفضل أن يكون غاض البصر في الصلاة.
الرابع: شغل اليدين بأن يكونا في حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه، وفي حال القنوت تلقاء وجهه، وفي حال الركوع على ركبتيه، وفي حال السجود بحذاء أذنيه، وفي حال التشهد على فخذيه.
الخامس: التعقيب، وأقله التكبيرات الثلاث ولا تتركها على حال، فهي تمام عشرة الحج وكمال المعرفة، وأفضله تسبيح الزهراء عليها السلام، ثم بما روي من الأدعية، وإلا فبما تيسر.
خاتمة: قواطع الصلاة
قسمان، أحدهما: يبطلها عمداً وسهواً، وهو كل ما يبطل الطهارة سواء دخل تحت الاختيار أو خرج، كالبول والغائط ما شابههما من موجبات الوضـوء، والجنابة والحيض وما
شابههما من موجبات الغسل.
الثاني: لا يبطلها إلا عمداً، وهو: وضع اليمين على الشمال، والالتفات إلى ما وراءه، والكلام بحرفين فصاعداً، والقهقهة، وأن يفعل فعلاً كثيراً ليس من أفعال الصلاة، والبكاء لشيء من أمور الدنيا، والأكل والشرب الكثير أما القليل فلا يضر بالصلاة كالمتبقي في الفم من الطعام، أو شرب الماء في صلاة الوتر لمن أصابه عطش وهو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة، لكن لا يستدبر القبلة. وعقص الشعر للرجل مكروه.
ويكره: الالتفات يميناً وشمالاً، والتثاؤب، والتمطي، والعبث، ونفخ موضع السجود، والتنخم، وأن يبصق، أو يفرقع أصابعه، أو يتأوه، أو يئن بحرف واحد، أو يدافع البول والغائط والريح. وإن كان خفه ضيقاً استحب له نزعه لصلاته.
مسائل أربع:
الأولى: إذا عطس الرجل في الصلاة يستحب له أن يحمد الله، وكذا إن عطس غيره يستحب له تسميته.
الثانية: إذا سلم عليه يجوز أن يرد مثل قوله: سلام عليكم، ولا يقول: وعليكم السلام.
الثالثة: يجوز أن يدعو بكل دعاء يتضمن تسبيحاً أو تحميداً، أو طلب شئ مباح من أمور الدنيا والآخرة، قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، ولا يجوز أن يطلب شيئاً محرماً، ولو فعل وهو يعلم بحرمته بطلت صلاته.
الرابعة: يجوز للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال، أو فرار غريم، أو تردي طفل وما شابه ذلك، ولا يجوز قطع صلاته اختياراً.
* * *
الركن الثالث : في بقية الصلوات
وفيه فصول:
الأول: في صلاة الجمعة
والنظر في: الجمعة، ومن تجب عليه، وآدابها.
الأول: الجمعة.
ركعتان كالصبح يسقط معهما الظهر، ويستحب فيهما الجهر. وتجب بزوال الشمس ويمتد وقتها بامتداد وقت الظهر، ولو خرج الوقت - وهو فيها - أتم جمعة إماماً كان أو مأموماً. وتفوت الجمعة بفوات الوقت، ثم لا تقضى جمعة، وإنما تقضى ظهراً. ولو وجبت الجمعة فصلى الظهر وجب عليه السعي لذلك، فإن أدركها وإلا أعاد الظهر ولم يجتزئ بالأول. ولو تيقن أن الوقت يتسع للخطبة وركعتين خفيفتين وجبت الجمعة، وإن تيقن أو غلب على ظنه أن الوقت لا يتسع لذلك فقد فاتت الجمعة ويصلي ظهراً. فأما لو لم يحضر الخطبة في أول الصلاة وأدرك مع الإمام ركعة صلى جمعة، وكذا لو أدرك الإمام راكعاً في الثانية. ولو كبر وركع ثم شك هل كان الإمام راكعاً أو رافعاً لم يكن له جمعة، وصلى الظهر.
ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط:
الأول: السلطان العادل (الإمام المعصوم (ع)) أو من نصبه، فلو مات الإمام في أثناء الصلاة لم تبطل الجمعة، وجاز أن تقدم الجماعة من يتم بهم الصلاة. وكذا لو عرض للمنصوب ما يبطل الصلاة من إغماء أو جنون أو حدث.
الثاني: العدد، وهو خمسة الإمام أحدهم. ولو انفضوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب، وإن دخلوا في الصلاة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلا واحد.
الثالث: الخطبتان، ويجب في كل واحد منهما: الحمد لله، والصلاة على النبي وآله (ع)، والوعظ، وقراءة سورة خفيفة أو آية واحدة.
وعنهم (ع): يحمد الله ويثني عليه، ثم يوصي بتقوى الله، ويقرأ سورة خفيفة من القرآن، ثم يجلس، ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي وآله وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات. ويجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرغ زالت. ويجب أن تكون الخطبة مقدمة على الصلاة، فلو بدأ بالصلاة لم تصح الجمعة. ويجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراده مع القدرة، ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة، وتجب فيهما الطهارة على الإمام دون المأمومين، ولو أحدث في الخطبة تطهر وبنى. ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعداً.
الرابع: الجماعة، فلا تصح فرادى، وإذا حضر الإمام الأصل (المعصوم) وجب عليه الحضور والتقدم، وإن منعه مانع جاز أن يستنيب.
الخامس: أن لا يكون هناك جمعة أخرى وبينهما دون (5.5كم)، فإن اتفقتا بطلتا، وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخرة، ولو لم يتحقق السابقة أعادا ظهراً.
الثاني: فيمن يجب عليه.
ويراعى فيه شروط سبعة: التكليف، والذكورة، والحرية، والحضر، والسلامة من العمى والمرض والعرج، وأن لا يكون هماً ولا بينه وبين الجمعة أزيد من (11كم). وكل هؤلاء إذا تكلفوا الحضور وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم، سوى من خرج عن التكليف. ولو حضر الكافر لم تصح منه ولم تنعقد به وإن كانت واجبه عليه. وتجب الجمعة على أهل السواد، كما تجب على أهل المدن مع استكمال الشروط، وكذا على الساكن بالخيم كأهل البادية إذا كانوا قاطنين.
وها هنا مسائل:
الأولى: من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة، ولو هاياه مولاه لم تجب عليه الجمعة، ولو اتفقت في يوم نفسه. كذا المكاتب والمدبر.
الثانية: من سقطت عنه الجمعة يجوز أن يصلي الظهر في أول وقتها، ولا يجب عليه تأخيرها حتى تفوت الجمعة، بل لا يستحب إلا إذا ظن أنه سيحضرها. ولو حضر الجمعة بعد ذلك وجبت عليه.
الثالثة: إذا زالت الشمس لم يجز السفر لتعيين الجمعة، ويكره بعد طلوع الفجر.
الرابعة: الإصغاء إلى الخطبة واجب، وكذا يحرم الكلام في أثنائها، لكن ليس بمبطل للجمعة.
الخامسة: يعتبر في إمام الجمعة: كمال العقل، والإيمان، والعدالة، وطهارة المولد، والذكورة إذا كان في المأمومين رجال. ويجوز أن يكون عبداً، و يجوز أن يكون أبرص وأجذم، وكذا الأعمى بل وأصم وأبكم إذا كان يصلي بصم بكم، ويخطب بالإشارة، ولا يجب عندها حضور غيرهم.
السادسة : المسافر إذا نوى الإقامة في بلد عشرة أيام فصاعداً وجبت عليه الجمعة وكذا إذا لم ينوِ الإقامة ومضى عليه ثلاثون يوماً في مصر واحد.
السابعة : الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة.
الثامنة: يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان، فإن باع أثم وكان البيع صحيحاً. ولو كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي كان البيع سائغاً بالنظر إليه، وحراماً بالنظر إلى الآخر.
التاسعة: إذا لم يكن الإمام موجوداً ولا من نصبه للصلاة وأمكن الاجتماع يستحب أن يصلي جمعة.
العاشرة: إذا لم يتمكن المأموم من السجود مع الإمام الأولى لشدة الزحام مثلاً، فإن أمكنه السجود والالتحاق به قبل الركوع (ركوع الإمام في الثانية) صح، وإلا اقتصر على متابعته في السجدتين (الإمام يسجد سجدتي الثانية وهو يسجد سجدتي الأولى)، فإن نوى بهما الثانية جهلاً أو سهواً لا يضره، ويتم الثانية.
وإما آداب الجمعة : فالغسل، والتنفل بعشرين ركعة: ست عند انبساط الشمس وست عند ارتفاعها، وست قبل الزوال، وركعتان عند الزوال. ولو أخر النافلة إلى بعد الزوال جاز، وأفضل من ذلك تقديمها. وإن صلى بين الفريضتين ست ركعات من النافلة جاز. وأن يباكر المصلي إلى المسجد الأعظم بعد أن يحلق رأسه ويقص أظفاره ، ويأخذ من شاربه، وأن يكون على سكينة ووقار، متطيباً لابساً أفضل ثيابه، وأن يدعو أمام توجهه، وأن يكون الخطيب بليغاً مواظباً على الصلوات في أول أوقاتها.
ويكره له: الكلام في أثناء الخطبة بغيرها، ويستحب له: أن يتعمم شاتياً كان أو قائضاً، ويرتدي ببرد يمنية ، وأن يكون معتمداً على شئ، وأن يسلم أولاً، وأن يجلس أمام الخطبة، وإذا سبق الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى "الجمعة" وكذا في الثانية يعدل إلى سورة "المنافقين" ما لم يتجاوز نصف السورة، إلا في سورة "الجحد" و "التوحيد". ويستحب الجهر بالظهر في يوم الجمعة، ومن يصلي ظهراً فالأفضل إيقاعها في المسجد الأعظم. وإذا لم يكن إمام الجمعة ممن يقتدى به جاز أن يقدم المأموم صلاته على الإمام، ولو صلى معه ركعتين وأتمهما بعد تسليم الإمام ظهراً كان أفضل.
الفصل الثاني: في صلاة العيدين
والنظر: فيها، وفي سننها.
وهي واجبة مع وجود الإمام (ع) بالشروط المعتبرة في الجمعة. وتجب جماعة، ولا يجوز التخلف إلا مع العذر، فيجوز حينئذ أن يصلي منفرداً ندباً. ولو اختلت الشرائط سقط الوجوب، واستحب الإتيان بها جماعة وفرادى. ووقتها: ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، ولو فاتت لم تقض. وكيفيتها: أن يكبر للإحرام بالسبع، ثم يقرأ "الحمد" وسورة، والأفضل أن يقرأ " الأعلى " ، ثم يكبر بعد القراءة ويقنت بالمرسوم حتى يتم خمساً ، ثم يكبر ويركع، فإذا سجد السجدتين: قام فيقرأ "الحمد" و سورة، والأفضل أن يقرأ "الغاشية"، ثم يكبر أربعاً ويقنت بينها أربعاً، ثم يكبر خامسة للركوع ويركع، فيكون الزائد عن المعتاد تسعاً: خمس في الأولى، وأربع في الثانية غير تكبيرة الإحرام والتكبيرات الست، وتكبيرتي الركوعين، وتكبيرات السجود.
وسنن هذه الصلاة: الإصحار بها إلا بمكة، والسجود على الأرض، وأن يقول المؤذنون: الصلاة ثلاثاً، فإنه لا أذان لغير الخمس. وأن يخرج الإمام حافياً، ماشياً على سكينة ووقار، ذاكراً لله سبحانه. وأن يطعم قبل خروجه في الفطر، وبعد عوده في الأضحى مما يضحي به. وأن يكبر في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب ليلة الفطر، وآخرها صلاة العيد . وفي الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة، أولها الظهر يوم النحر لمن كان بمنى ، وفي الأمصار عقيب عشر يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا، ويزيد في الأضحى: ورزقنا من بهيمة الأنعام، ويكره الخروج بالسلاح. وأن ينفل قبل الصلاة أو بعدها إلا بمسجد النبي (ص) بالمدينة، فإنه يصلي ركعتين قبل خروجه.
مسائل خمس:
الأولى: التكبير الزائد في صلاة العيد واجب و القنوت واجب، ولكن لا يتعين فيه لفظ بل يدعو بما يشاء والأفضل: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أن علياً والأئمة من ولده حجج الله، وأشهد أن المهدي والمهديين من ولده حجج الله، اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل العفو والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة ، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمد (ص) ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً أن تصلي على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك، وصل على ملائكتك ورسلك، واغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المرسلون).
الثانية: إذا اتفق عيد وجمعة، فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة، وعلى الإمام أن يعلمهم ذلك في خطبته.
الثالثة: الخطبتان في العيدين بعد الصلاة وتقديمهما بدعة، ويجب استماعهما.
الرابعة: لا ينقل المنبر عن الجامع، بل يعمل شبه المنبر من طين استحباباً.
الخامسة: إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي صلاة العيد إن كان ممن تجب عليه، ويجوز خروجه بعد الفجر و قبل طلوعها وهو مكروه.
الفصل الثالث: في صلاة الكسوف (الآيات)
والكلام في: سببها، وكيفيتها، وحكمها.
أما الأول: فتجب عند كسوف الشمس، وخسوف القمر، والزلزلة، و تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة، وغير ذلك من أخاويف السماء. ووقتها في الكسوف: من حين ابتدائه إلى حين انجلائه، فإن لم يتسع لها لم تجب. وكذا الرياح والأخاويف. وفي الزلزلة تجب وإن لم يطل المكث، ويصلي بنية الأداء وإن سكنت. ومن لم يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت لم يجب القضاء، إلا أن يكون القرص قد احترق كله، وفي غير الكسوف لا يجب القضاء، ومع العلم والتفريط أو النسيان يجب القضاء في الجميع.
وأما كيفيتها: فهو أن يحرم بالسبع (الأولى تكبيرة الإحرام وتليها ست تكبيرات واجبة)، ثم يقرأ "الحمد" وسورة، ثم يركع، ثم يرفع رأسه، فإن كان لم يتم السورة قرأ من حيث قطع، وإن كان أتم قرأ "الحمد" ثانياً، ثم قرأ سورة حتى يتم خمساً على هذا الترتيب، ثم يركع ويسجد اثنتين. ثم يقوم ويقرأ "الحمد" وسورة معتمداً بترتيبه الأول، [ويسجد اثنتين]، ويتشهد، ويسلم.
ويستحب فيها: الجماعة، وإطالة الصلاة بمقدار زمان الكسوف، وأن يعيد الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء، وأن يكون مقدار ركوعه بمقدار زمان قراءته، وأن يقرأ السور الطوال مع سعة الوقت، وأن يكبر عند كل رفع [رأس] من كل ركوع إلا في الخامس والعاشر، فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وأن يقنت خمس قنوتات.
وأما حكمها، فمسائله ثلاث:
الأولى: إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة كان مخيراً في الإتيان بأيهما شاء، ما لم تتضيق الحاضرة فتكون أولى.
الثانية: إذا اتفق الكسوف (خسوف القمر) في وقت نافلة الليل، فالكسوف أولى ولو خرج وقت النافلة، ثم يقضي النافلة.
الثالثة: يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشياً إذا اضطر لذلك.
الفصل الرابع: في الصلاة على الأموات
وفيه أقسام:
الأول: من يصلي عليه.
وهو كل من كان مظهراً للشهادتين، أو طفلاً له ست سنين ممن له حكم الإسلام، ويتساوى في ذلك الذكر والأنثى، والحر والعبد. ويستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك إذا ولد حياً، فإن وقع سقطاً لم يصل عليه ولو ولجته الروح.
الثاني: في المصلي.
وأحق الناس بالصلاة عليه أولاهم بميراثه، والأب أولى من الابن، وكذا الولد أولى من الجد والأخ والعم، والأخ من الأب والأم أولى ممن ينتسب بأحدهما، والزوج أولى بالمرأة من عصباتها وإن قربوا. وإذا كان الأولياء جماعة فالذكر أولى من الأنثى، والحر أولى من العبد، ولا يتقدم الولي إلا إذا استكملت فيه شرائط الإمامة وإلا قدم غيره. وإذا تساوى الأولياء قدم الأفقه فالأتقى، ولا يجوز أن يتقدم أحد إلا بإذن الولي سواء كان بشرائط الإمامة، أو لم يكن بعد أن يكون مكلفاً. والإمام الأصل أولى بالصلاة من كل أحد، والهاشمي أولى من غيره إذا قدمه الولي وكان بشرائط الإمامة. ويجوز أن تؤم المرأة بالنساء ويكره أن تبرز عنهن، بل تقف في صفهن، وكذا الرجال العراة. وغيرهما من الأئمة يبرز أمام الصف ولو كان المؤتم واحداً. وإذا اقتدت النساء بالرجل وقفن خلفه، وإن كان وراءه رجال وقفن خلفهم، وإن كان فيهن حائض انفردت عن صفهن استحباباً.
الثالث: في كيفية الصلاة.
وهي خمس تكبيرات، والدعاء بينهم غير لازم بل مستحب، وأفضل ما يقال: ما رواه محمد بن مهاجر عن أمه - أم سلمة - عن أبي عبد الله (ع) قال: كان رسول الله (ص) إذا صلى على ميت كبر وتشهد، ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا، ثم كبر ودعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة ودعا للميت، ثم كبر [الخامسة] وانصرف. وإن كان منافقاً اقتصر المصلي على أربع وانصرف بالرابعة، أو يدعي عليه في الرابعة وينصرف في الخامسة وتجب فيها: النية، واستقبال القبلة، وجعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي. وليست الطهارة من شرائطها. ولا يجوز التباعد عن الجنازة كثيراً، ولا يصلي على الميت إلا بعد تغسيله وتكفينه، فإن لم يكن له كفن جعل في القبر وسترت عورته، وصلي عليه بعد ذلك.
وسنن الصلاة: أن يقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة، وإن اتفقا جعل الرجل مما يلي الإمام والمرأة وراءه، ويجعل صدرها محاذياً لوسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة، ولو كان طفلاً جعل من وراء المرأة. وأن يكون المصلي متطهراً وينزع نعليه، ويرفع يديه في أول تكبيرة وفي البواقي. ويستحب عقيب الرابعة أن يدعو له إن كان مؤمناً، وعليه إن كان منافقاً، وبدعاء المستضعفين إن كان كذلك، وإن جهله سأل الله أن يحشره مع من كان يتولاه، وإن كان طفلاً سأل الله أن يجعله مصلحاً لحال أبيه شافعاً فيه. وإذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتى ترفع الجنازة، وأن يصلي على الجنازة في المواضع المعتادة، ولو صلى في المساجد جاز. ويكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين.
مسائل خمس:
الأولى: من أدرك الإمام في أثناء صلاته تابعه، فإذا فرغ أتم ما بقي عليه ولاء، ولو رفعت الجنازة أو دفنت أتم ولو على القبر.
الثانية: إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد أعادها مع الإمام.
الثالثة: من لم يصل على جنازته يجوز أن يصلى على قبره في أي وقت ولو بعد مدة طويلة ولا تترك الصلاة على مؤمن.
الرابعة: الأوقات كلها صالحة لصلاة الجنازة، إلا عند تضيق وقت فريضة حاضرة. ولو خيف على الميت - مع سعة الوقت - قدمت الصلاة عليه.
الخامسة: إذا صلى على جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخرى كان مخيراً، إن شاء استأنف الصلاة عليهما، وإن شاء أتم الأولى على الأول واستأنف للثاني.
الفصل الخامس: في الصلوات المرغبات
وهي قسمان: النوافل اليومية وقد ذكرناها، وما عدا ذلك فهو ينقسم على قسمين:
فمنها: ما لا يخصّ وقتا بعينه: وهذا القسم كثير، غير إنا نذكر مهمه وهو صلوات:
الأولى: صلاة الاستسقاء وهي مستحبة عند غور الأنهار وفتور الأمطار، وكيفيتها مثل كيفية صلاة العيد، غير أنه يجعل مواضع القنوت في العيد استعطاف الله سبحانه وسؤاله الرحمة بإرسال الغيث، ويتخير من الأدعية ما تيسر له، وإلا فليقل ما نقل في أخبار أهل البيت (ع).
ومسنونات هذه الصلاة: أن يصوم الناس ثلاثة أيام، ويكون خروجهم يوم الثالث، ويستحب أن يكون ذلك الثالث الاثنين، فإن لم يتيسر فالجمعة. وأن يخرجوا إلى الصحراء حفاة على سكينة ووقار، ولا يصلوا في المساجد، وأن يخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز ولا يخرجوا ذمياً، ويفرقوا بين الأطفال وأمهاتهم. فإذا فرغ الإمام من صلاته حول رداءه، ثم استقبل القبلة، وكبر مئة، رافعاً بها صوته، وسبح الله إلى يمينه كذلك، وهلل عن يساره مثل ذلك، واستقبل الناس، وحمد الله مئة، وهم يتابعونه في كل ذلك، ثم يخطب ويبالغ في تضرعاته، فإن تأخرت الإجابة كرروا الخروج حتى تدركهم الرحمة. وكما تجوز هذه الصلاة عند قلة الأمطار، فإنها تجوز عند جفاف مياه العيون والآبار.
الثانية: صلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة، وصلاة الشكر، وصلاة الزيارة.
ومنها: ما يخصّ وقتا معيناً، وهي صلوات [خمس]:
الأولى: نافلة شهر رمضان، وفي الروايات: استحباب ألف ركعة في شهر رمضان زيادة على النوافل المرتبة، يصلي في كل ليلة عشرين ركعة: ثمان بعد المغرب، واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء، وفي كل ليلة من العشر الأواخر ثلاثين على الترتيب المذكور، وفي ليالي الإفراد الثلاث في كل ليلة مئة ركعة. وإن اقتصر في ليالي الإفراد على المئة حسب، فيبقى عليه ثمانون يصلي في كل جمعة عشر ركعات بصلاة علي وفاطمة وجعفر (ع)، وفي آخر جمعة عشرين ركعة بصلاة علي (ع)، وفي عشية تلك الجمعة عشرين ركعة بصلاة فاطمة (ع)، وصلاة أمير المؤمنين (ع): أربع ركعات بتشهدين وتسليمين، يقرأ في كل ركعة: "الحمد" مرة، وخمسين مرة "قل هو الله أحد". وصلاة فاطمة (ع): ركعتان ، يقرأ في الأولى: "الحمد" مرة و "القدر" مئة مرة، وفي الثانية بـ"الحمد" مرة وسورة "التوحيد" مئة مرة. وصلاة جعفر (ع): أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في الأولى: "الحمد" مرة و "إذا زلزلت" مرة، ثم يقول خمس عشرة مرة: "سبحان الله والحمد لله ولا إله الله والله أكبر"، ثم يركع ويقولها عشراً، وهكذا يقولها عشراً بعد رفع رأسه، وفي سجوده ورفعه، وفي سجوده ثانياً، وبعد الرفع منه، فيكون في كل ركعة خمس وسبعون مرة. ويقرأ في الثانية: "والعاديات"، وفي الثالثة: "إذا جاء نصر الله والفتح"، وفي الرابعة: "قل هو الله أحد". ويستحب أن يدعو في آخر سجدة بالدعاء المخصوص بها.
الثانية: صلاة ليلة الفطر وهي ركعتان، يقرأ في الأولى: "الحمد" مرة و "قل هو الله أحد" ألف مرة، وفي الثانية "الحمد" مرة و "قل هو الله أحد" مرة.
الثالثة: صلاة يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة قبل الزوال بنصف ساعة.
الرابعة: صلاة ليلة النصف من شعبان.
الخامسة: صلاة ليلة المبعث ويومه، وتفصيل هذه الصلوات وما يقال فيها وبعدها مذكور في كتب العبادات.
خاتمة:
كل النوافل يجوز أن يصليها الإنسان قاعداً وقائماً أفضل، وإن جعل كل ركعتين من جلوس مقام ركعة كان أفضل.
* * *
الركن الرابع : وفيه فصول
الفصل الأول: في الخلل الواقع في الصلاة
وهو: إما عن عمد، أو سهو، أو شك.
أما العمد:
فمن أخل بشيء من واجبات الصلاة عامداً فقد أبطل صلاته شرطاً كان ما أخل به، أو جزءاً منها، أو كيفية، أو تركاً. وكذا لو فعل ما يجب تركه، أو ترك ما يجب فعله جهلاً بوجوبه، إلا الجهر والاخفات في مواضعهما. ولو جهل غصبية الثوب الذي يصلي فيه، أو المكان، أو نجاسة الثوب، أو البدن، أو موضع السجود فلا إعادة.
فروع:
الأول: إذا توضأ بماء مغصوب مع العلم بالغصبية وصلى أعاد الطهارة والصلاة، ولو جهل غصبيته لم يعد أحديهما.
الثاني: إذا لم يعلم أنّ الجلد ميتة فصلى فيه ثم علم لم يعد إذا كان في يد مسلم، أو شراه من سوق المسلمين، فإن أخذه من غير مسلم أو وجده مطروحاً أعاد.
الثالث: إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلي فيه وصلى أعاد.
وأما السهو:
فإن أخل بركن أعاد كمن أخل بالقيام حتى نوى، أو بالنية حتى كبر، أو بالتكبير حتى قرأ، أو بالركوع حتى سجد، أو بالسجدتين حتى ركع فيما بعد. وكذا لو زاد في الصلاة ركعة، أو ركوعاً، أو سجدتين أعاد سهواً وعمداً. لو شك في الركوع فركع، ثم ذكر أنه كان قد ركع بطلت صلاته. وإن نقص ركعة فإن ذكر قبل فعل ما يبطل الصلاة أتم ولو كانت ثنائية، وإن ذكر بعد أن فعل ما يبطلها عمداً أو سهواً أعاد، وإن كان يبطلها عمداً لا سهواً كالكلام يتم صلاته وعليه سجدتي السهو. ولو ترك التسليم ثم ذكر سلم وصحت صلاته وإن فعل ما يبطل الصلاة عمداً أو سهواً. ولو ترك سجدتين ولم يدر أهما من ركعتين أو ركعة أعاد صلاته، ولو كانتا من ركعتين ولم يدر أيتهما هي لا إعادة عليه ويقضيهما، وعليه سجدتا السهو.
وإن أخل بواجب غير ركن، فمنه ما يتم معه الصلاة من غير تدارك، ومنه ما يتدارك من غير سجود، ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو.
فالأول: من نسي القراءة، أو الجهر أو الإخفات في مواضعهما، أو قراءة "الحمد"، أو قراءة السورة حتى ركع، أو الذكر في الركوع، أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه، أو رفع الرأس، أو الطمأنينة فيه حتى سجد، أو الذكر في السجود، أو السجود على الأعضاء السبعة، أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه، أو رفع رأسه من السجود، أو الطمأنينة فيه حتى سجد ثانياً، أو الذكر في السجود الثاني، أو السجود على الأعضاء السبعة، أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه منه.
الثاني: من نسي قراءة "الحمد" حتى قرأ سورة استأنف "الحمد" وسورة، وكذا لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد قام فركع ثم سجد، وكذا من ترك السجدتين أو إحديهما أو التشهد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه، ثم قام فأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثم ركع، ولا تجب في هذين الموضعين سجدتا السهو. ولو ترك الصلاة على النبي وعلى آله (ع) حتى سلم قضاهما بعد التسليم.
الثالث: من ترك سجدة أو التشهد ولم يذكر حتى يركع قضاهما أو أحدهما، وسجد سجدتي السهو.
وأما الشك، ففيه مسائل:
الأولى: من شك في عدد الواجبة الثنائية أعاد كالصبح، وصلاة السفر، وصلاة العيدين إذا كانت فريضة، والكسوف، وكذا المغرب.
الثانية: إذا شك في شئ من أفعال الصلاة ثم ذكر، فإن كان في موضعه أتى به وأتم، وإن انتقل مضى في صلاته، سواء كان ذلك الفعل ركناً أو غيره، وسواء كان في الأوليين أو الأخريين.
تفريع: إذا تحققت نية الصلاة وشك هل نوى ظهراً أو عصراً مثلاً، أو فرضاً أو نفلاً استأنف.
الثالثة: إذا شك في أعداد الرباعية فإن كان في الأوليين أعاد، وكذا إذا لم يدر كم صلى. وإن تيقن الأوليين وشك في الزائد وجب عليه الاحتياط.
ومسائله أربع:
الأولى: من شك بين الاثنين والثلاث بنى على الثلاث وأتم، وتشهد وسلم، ثم استأنف ركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس.
الثانية: من شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع، وتشهد وسلم، واحتاط كالأولى.
الثالثة: من شك بين الاثنين والأربع بنى على الأربع، وتشهد وسلم، ثم أتى بركعتين من قيام.
الرابعة: من شك بين الاثنين والثلاث والأربع بنى على الأربع، وتشهد وسلم، ثم أتى بركعتين من قيام، وركعتين من جلوس. والأفضل في كل هذه الصور وغيرها أن يبني على الأقل فإن كان أقل من أربع أتم صلاته وسلم وسجد سجدتي السهو، وإن كان أربع سلم وسجد سجدتي السهو، وإن كان في الرابعة أتمها وسلم وسجد سجدتي السهو.
وها هنا مسائل:
الأولى: لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى على الظن وكان كالعلم.
الثانية: يتعين في صلاة الاحتياط قراءة "الفاتحة".
الثالثة: لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط تبطل صلاته.
الرابعة: من سها في سهو لم يلتفت وبنى على صلاته، وكذا إذا سها المأموم عول على صلاة الإمام. ولا شك على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه، ولا حكم للسهو مع كثرته. ويرجع في الكثرة إلى ما يسمى في العادة كثيراً، ومن شك مرة في يومه فهو كثير الشك.
الخامسة : من شك في عدد النافلة بنى على الأكثر، وإن بنى على الأقل كان أفضل.
خاتمة: في سجدتي السهو
وهما واجبتان حيث ذكرناه، وفي من تكلم ساهياً، أو سلم في غير موضعه، أو شك بين الأربع والخمس. ويسجد المأموم مع الإمام واجباً إذا عرض له السبب. ولو انفرد أحدهما كان له حكم نفسه. وموضعهما: بعد التسليم للزيادة والنقصان، وصورتهما: أن [ينوي، ثم] يكبر مستحباً ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه ثم يسجد، ثم يرفع رأسه ويتشهد تشهداً خفيفاً ثم يسلم. ولا يجب فيهما الذكر بل يستحب. ولو أهملهما عمداً لم يبطل الصلاة، وعليه الإتيان بهما ولو طالت المدة .
الفصل الثاني: في قضاء الصلوات
والكلام في: سبب الفوات، والقضاء ولواحقه.
أما السبب: فمنه ما يسقط معه القضاء وهو سبعة: الصغر، والجنون، والإغماء والحيض، والنفاس ، والكفر الأصلي ، وعدم التمكن من فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم. وما عداه يجب معه القضاء كالإخلال بالفريضة عمداً أو سهواً عدا الجمعة والعيدين، وكذا النوم ولو استوعب الوقت. ولو زال عقل المكلف بشيء من قبله كالسكر وشرب المرقد وجب القضاء، لأنه سبب في زوال العقل غالباً. ولو أكل غذاء مؤذياً فآل إلى الإغماء لم يقض، وإذا ارتد المسلم أو أسلم الكافر ثم كفر وجب عليه قضاء زمان ردته.
وأما القضاء: فإنه يجب قضاء الفائتة إذا كانت واجبة، ويستحب إذا كان نافلة مؤقتة استحباباً مؤكداً وإن فاتت لمرض لا يزيل العقل. ويستحب أن يتصدق عن كل ركعتين بمد، فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمد. ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيق وقت حاضرة، بترتيب السابقة على اللاحقة كالظهر على العصر، والعصر على المغرب، والمغرب على العشاء، سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت، فإن فاتته صلوات لم تترتب على الحاضرة لم يجب تقديمها. ولو كان عليه صلاة فنسيها وصلى الحاضرة لم يعد، ولو ذكر في أثنائها عدل إلى السابقة، ولو صلى الحاضرة مع الذكر أعاد. ولو دخل في نافلة وذكر في أثنائها أن عليه فريضة استأنف الفريضة. ويقضي صلاة السفر قصراً ولو في الحضر، وصلاة الحضر تماماً ولو في السفر.
وأما اللواحق، فمسائل:
الأولى: من فاتته فريضة من الخمس غير معينة قضى صبحاً ومغرباً وأربعاً عما في ذمته. ولو فاتته من ذلك مرات لا يعلمها قضى حتى يغلب على ظنه أنه وفى.
الثانية: إذا فاتته صلاة معينة ولم يعلم كم مرة كرر من تلك الصلاة حتى يغلب عنده الوفاء، ولو فاتته صلوات لا يعلم كميتها ولا عينها صلى أياماً متوالية حتى يعلم أن الواجب دخل في الجملة.
الثالثة: من ترك الصلاة مُستحلاً قُتِل إن كان وُلِدَ مسلماً، وأُستُتيب إن كان أسلم عن كفر. فإن امتنع قُتِل، فإن أدعى الشبهة المحتملة درأ عنه الحد. وإن لم يكن مُستحلاً عُزِر، فإن عاد ثانية عُزِر، فإن عاد ثالثة عُزِر، فإن عاد رابعة قتل.
الفصل الثالث: في الجماعة
والنظر في أطراف:
الأول: الجماعة مستحبة في الفرائض كلها.
وتتأكد في الصلوات المرتبة. ولا تجب إلا في الجمعة والعيدين مع الشرائط. ولا تجوز في شئ من النوافل عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال شرائط الوجوب. وتدرك الصلاة جماعة بإدراك الركوع، وبإدراك الإمام راكعاً. وأقل ما تنعقد باثنين الإمام أحدهما. ولا تصح مع حائل بين الإمام والمأموم يمنع المشاهدة، إلا أن يكون المأموم امرأة. ولا تنعقد والإمام أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية، ويجوز أن يقف على علو من أرض منحدرة، ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزاً. ولا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيراً في العادة (أكثر من متر بين المأموم والإمام)، إذا لم تكن بينهما صفوف متصلة، أما إذا توالت الصفوف فلا بأس.
ويكره: أن يقرأ المأموم خلف الإمام، إلا إذا كانت الصلاة جهرية ثم لا يسمع ولا همهمة، ولو كان الإمام ممن لا يقتدى به وجبت القراءة.
وتجب متابعة الإمام، فلو رفع المأموم رأسه جاهلاً حال الإمام عاد للمتابعة، وإن كان ناسياً عاد للمتابعة. وكذا لو هوى إلى الركوع أو السجود قبل الإمام ظاناً أن الإمام قد هوى عاد وتابع الإمام، أما إذا قصد الركوع قبل الإمام مع علمه بحال الإمام فهو إن كان نوى الانفراد أتم صلاته منفرداً، وإلا بطلت صلاته. ولا يجوز أن يقف المأموم قدام الإمام. ولابد من نية الائتمام والقصد إلى إمام معين، فلو كان بين يديه اثنان، فنوى الائتمام بهما أو بأحدهما ولم يعين لم تنعقد. ولو صلى اثنان فقال كل واحد منهما: كنت إماماً صحت صلاتهما، ولو قال: كنت مأموماً لم تصح صلاتهما، وكذا لو شكّا فيما أضمراه. ويجوز أن يأتم المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان، والمتنفل بالمفترض والمتنفل، والمفترض بالمتنفل في أماكن.
ويستحب: أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلاً واحداً، وخلفه إن كانوا جماعة أو امرأة. ولو كان الإمام امرأة وقف النساء إلى جانبيها. وكذا إذا صلى العاري بالعرات جلس وجلسوا عن سمته، لا يبرز إلا بركبتيه. ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلي تلك الصلاة جماعة، إماماً كان أو مأموماً، وأن يسبح حتى يركع الإمام إذا أكمل القراءة قبله، وأن يكون في الصف الأول أهل الفضل، ويكره تمكين الصبيان منه. ويكره أن يقف المأموم وحده إلا أن تمتلئ الصفوف، وأن يصلي المأموم نافلة إذا أقيمت الصلاة. ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، والأفضل بعد تمام الشهادة.
الطرف الثاني:
يعتبر في الإمام: الإيمان، والعدالة، والعقل، وطهارة المولد، والبلوغ إذا كان المأموم بالغاً مفترضاً، وأن لا يكون قاعداً بقائم، ولا أمياً بمن ليس كذلك، ولا يشترط الحرية. ويشترط الذكورة إذا كان المأمومون ذكراناً، أو ذكراناً وإناثاً. ويجوز أن تؤم المرأة النساء فقط، وكذا الخنثى الخنثى فقط، ولا تؤم المرأة رجلاً ولا خنثى.
ولو كان الإمام يلحن في القراءة بحيث يتغير المعنى أو لا يفهم لم تجز إمامته بمتقن، وكذا من يبدل الحرف كالتمتام وشبهه. ولا يشترط أن ينوي الإمام الإمامة. وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولى بالتقدم، والهاشمي أولى من غيره إذا كان بشرائط الإمامة. وإذا تشاح الأئمة فمن قدمه المأمومون فهو أولى، فإن اختلفوا قدم الأفقه فالأتقى. ويستحب للإمام أن يُسمِع من خلفه الشهادتين. وإذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم بهم الصلاة، وكذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز له أن يستنيب، ولو فعل ذلك اختياراً جاز أيضاً.
ويكره أن يأتم حاضر بمسافر، وأن يستناب المسبوق، وأن يؤم الأجذم والأبرص والمحدود بعد توبته والأغلف، وإمامة من يكرهه المأموم، وأن يؤم الأعرابي بالمهاجرين، والمتيمم بالمتطهرين.
الطرف الثالث: في أحكام الجماعة. وفيه مسائل:
الأولى: إذا ثبت أن الإمام فاسق أو كافر أو على غير طهارة بعد الصلاة لم تبطل صلاة المؤتم به، ولو كان عالماً أعاد، ولو علم في أثناء الصلاة ينوي الانفراد ويتم.
الثانية: إذا دخل والإمام راكع وخاف فوت الركوع ركع، ويجوز أن يمشي في ركوعه حتى يلحق بالصف.
الثالثة: إذا اجتمع خنثى وامرأة وقف الخنثى خلف الإمام، والمرأة وراءه وجوباً.
الرابعة: إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ماضية دون صلاة من إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه، وتجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف الأول، لأنهم يشاهدون من يشاهده.
الخامسة: لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بغير عذر ، فإن نوى الانفراد جاز .
السادسة: الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفي سفن عدة، سواء اتصلت السفن أو انفصلت.
السابعة: إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إن خشي الفوات وإلا أتم ركعتين استحباباً، وإن كانت فريضة نقل نيته إلى النفل على الأفضل وأتم ركعتين، ولو كان إمام الأصل قطعها واستأنف معه.
الثامنة: إذا فاته مع الإمام شئ صلى ما يدركه وجعله أول صلاته، وأتم ما بقي عليه. ولو أدركه في الرابعة دخل معه، فإذا سلم قام فصلى ما بقي عليه، ويقرأ في الثانية له بـ "الحمد" وسورة، وفي الاثنتين الأخيرتين بـ"الحمد".
التاسعة: إذا أدرك الإمام بعد رفعه من الأخيرة كبر وسجد معه، فإذا سلم قام فاستقبل صلاته ولا يحتاج إلى استئناف تكبير. ولو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة كبر وجلس معه، فإذا سلم قام فاستقبل صلاته، ولا يحتاج إلى استئناف تكبير.
العاشرة : يجوز أن يسلم المأموم قبل الإمام وينصرف لضرورة وجماعته صحيحة.
الحادية عشرة: إذا وقف النساء في الصف الأخير فجاء رجال وجب أن يتأخرن إذا لم يكن للرجال موقف أمامهن.
الثانية عشرة: إذا استنيب المسبوق، فإذا انتهت صلاة المأموم أومأ إليهم ليسلموا، ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه.
خاتمة : في ما يتعلق بالمساجد
يستحب اتخاذ المساجد مكشوفة غير مسقفة إلا بالحصر عريش كعريش موسى (ع) وأن تكون الميضاة على أبوابها، وأن تكون المنارة مع حائطها لا في وسطها، وأن يقدم الداخل إليها رجله اليمنى، والخارج رجله اليسرى، وأن يتعاهد نعليه، وأن يدعو عند دخوله وعند خروجه. ويجوز نقض ما استهدم دون غيره، ويستحب إعادته. ويجوز استعمال آلته في غيره، ويستحب كنس المساجد والإسراج فيها.
ويحرم: زخرفتها ونقشها بالصور، وبيع آلتها، وأن يؤخذ منها في الطرق والأملاك، ومن أخذ منها شيئاً وجب أن يعيده إليها أو إلى مسجد آخر. وإذا زالت آثار المسجد لم يحل تملكه، ولا يجوز إدخال النجاسة إليها، ولا إزالة النجاسة فيها، ولا إخراج الحصى منها، وإن فعل أعاده إليها. ويحرم فتح باب دار إلى المسجد إلا باب دار المعصوم، ويكره الأكل فيها وجعلها مجالس للطعام كراهية شديدة.
ويكره: تعليتها وأن يعمل لها شرف، أو محاريب داخلة في الحائط، وأن تجعل طريقاً. ويستحب: أن يتجنب البيع والشراء، وتمكين المجانين، وإنفاذ الأحكام وتعريف الضوال، وإقامة الحدود، وإنشاد الشعر، ورفع الصوت، وعمل الصنائع والنوم. ويكره: دخول من في فيه رائحة بصل أو ثوم، والتنخم والبصاق، وقتل القمل فإن فعل ستره بالتراب، وكشف العورة، والرمي بالحصى.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا انهدمت الكنائس والبيع ، فإن كان لأهلها ذمة لم يجز التعرض لها، وإن كانت في أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمالها في المساجد.
الثانية: الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل ، والنافلة بالعكس.
الثالثة: الصلاة في الجامع بمائة، وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين، وفي السوق باثنتي عشرة صلاة. حرمة أضرحة المعصومين والحسينيات كحرمة المساجد، ولكن لا يكره الأكل في الحسينيات ويستحب للإمام أو من نصبه أن يدير أمور المسلمين من المسجد.
الفصل الرابع: في صلاة الخوف والمطاردة
صلاة الخوف مقصورة سفراً، وفي الحضر إذا صليت جماعة أو فرادى. وإذا صليت جماعة فالإمام بالخيار إن شاء صلى بطائفة ثم بأخرى وكانت الثانية له ندباً، والأفضل أن يصلي كما صلى رسول الله (ص) بذات الرقاع.
ثم تحتاج هذه الصلاة إلى النظر في شروطها وكيفيتها، وأحكامها.
أما الشروط: فإن يكون الخصم في غير جهة القبلة، وأن يكون فيه قوة لا يؤمن أن يهجم على المسلمين، وأن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين، يكفل كل طائفة بمقاومة الخصم، وأن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين.
وأما كيفيتها: فإن كانت الصلاة ثنائية صلى بالأولى ركعة وجلس، فيقوم من خلفه ويتمون ثم يستقبلون العدو، فيقوم للثانية وتأتي الفرقة الأخرى فيحرمون ويدخلون معه في ثانيته وهي أولاهم، فإذا جلس للتشهد أطال، ونهض من خلفه فأتموا وجلسوا، فتشهد بهم وسلم. فتحصل المخالفة في ثلاثة أشياء: انفراد المؤتم (بالأفعال لا بالنية فصلاته جماعة)، وتوقع الإمام للمأموم حتى يتم، وإمامة القاعد بالقائم. وإن كانت ثلاثية فهو بالخيار إن شاء صلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ، وإن شاء بالعكس، ويجوز أن يكون كل فرقة واحداً.
وأما أحكامها، ففيها مسائل:
الأولى: كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم لا حكم له، وفي حال الانفراد يكون الحكم على ما قدمناه في باب السهو.
الثانية: أخذ السلاح واجب في الصلاة ولو كان على السلاح نجاسة، ولو كان ثقيلاً يمنع شيئاً من واجبات الصلاة لم يجز.
الثالثة: إذا سها الإمام سهواً يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه، فإذا سلم وسجد لم يجب عليها اتباعه.
وأما صلاة المطاردة وتسمى صلاة شدة الخوف، مثل أن ينتهي الحال إلى المعانقة والمسايقة، فيصلي على حسب إمكانه واقفاً أو ماشياً أو راكباً، ويستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ثم يستمر إن أمكنه، وإلا استقبل بما أمكنه وصلى مع التعذر إلى أي الجهات أمكن. وإذا لم يتمكن من النزول صلى راكباً، ويسجد على قربوس سرجه، وإن لم يتمكن أومأ ايماءاً، فإن خشي صلى بالتسبيح ويسقط الركوع والسجود، ويقول بدل كل ركعة: سبحان الله والحمد الله، ولا إله إلا الله والله أكبر.
فروع :
الأول: إذ صلى مومياً فأمن أتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي منها، ولا يستأنف ما لم يستدبر القبلة في أثناء صلاته. وكذا لو صلى بعض صلاته ثم عرض الخوف أتم صلاة خائف ولا يستأنف.
الثاني : من رأى سواداً فظنه عدواً فقصر أو صلى مومياً ثم انكشف بطلان خياله لم يعد، وكذا لو أقبل العدو فصلى مومياً لشدة خوفه، ثم بان هناك حائل يمنع العدو.
الثالث: إذا خاف من سيل أو سبع جاز أن يصلي صلاة شدة الخوف.
تتمة: المتوحل والغريق يصليان بحسب الإمكان، ويوميان لركوعهما وسجودهما ولا يقصر واحد منهما عدد صلاته، إلا في سفر أو خوف.
الفصل الخامس: في صلاة المسافر
والنظر في: الشروط، والقصر، ولواحقه.
أما الشروط، فستة:
الأول: اعتبار المسافة، وهي (44كم) ذهاباً أو إياباً، أو (22كم) ذهاباً وإياباً. ولو كانت المسافة (22كم) وأراد العود إلى بيته في يوم أو أيام دون العشر وجب التقصير، ولو تردد يوماً في اقل من (22كم) ذاهباً وجائياً وعائداً لم يجز التقصير وإن كان ذلك من نيته. ولو كان لبلد طريقان والأبعد منهما مسافة فسلك الأبعد قصر ، وإن كان ميلاً إلى الرخصة.
الشرط الثاني: قصد المسافة، فلو قصد ما دون المسافة ثم تجدد له رأي فقصد أخرى مثلها لم يقصر، ولو زاد المجموع على مسافة التقصير فإن عاد وقد كملت المسافة فما زاد قصر، وكذا لو طلب دابة شذت له أو غريماً أو آبقاً. ولو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم وإلا عاد، فإن كان على حد مسافة (22كم) قصر في سفره وفي موضع توقفه، وإن كان دونها أتم حتى تيسر له الرفقة ويسافر.
الشرط الثالث: أن لا يقطع السفر بإقامة في أثنائه، فلو عزم على مسافة وفي طريقه ملك له قد استوطنه ستة أشهر أتم في طريقه وفي ملكه، وكذا لو نوى الإقامة في بعض المسافة. ولو كان بينه و بين ملكه أو ما نوى الإقامة فيه مسافة التقصير قصر في طريقه خاصة. ولو كان عدة مواطن اعتبر ما بينه وبين الأول، فإن كان مسافة قصر في طريقه، وينقطع سفره بموطنه فيتم فيه. ثم يعتبر المسافة التي بين موطنيه، فإن لم تكن مسافة أتم في طريقه لانقطاع سفره ، وإن كانت مسافة قصر في طريقه الثانية حتى يصل إلى وطنه.
والوطن الذي يتم فيه: هو موضع سكنه واستقراره وكل موضع له فيه ملك أو شبهه (كأرض المقابلة، أو الأنفال التي انتفع بها بإذن الإمام)، قد استوطنه ستة أشهر متوالية فصاعداً، بشرط أن تكون في الملك دار للسكن.
الشرط الرابع: أن يكون السفر سائغاً واجباً كان كحجة الإسلام، أو مندوباً كزيارة النبي صلى الله عليه وآله، أو مباحاً كالأسفار للمتاجر. ولو كان معصية لم يقصر كاتباع الجائر، وصيد اللهو، ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله أو للتجارة قصر.
الشرط الخامس: أن لا يكون سفره أكثر من حضره، كالبدوي الذي يطلب القطر، والمكاري والملاح والتاجر الذي يطلب الأسواق والبريد. وضابطه: كل من كان سفره أربعة أيام في الأسبوع أو ستة عشر يوماً في الشهر أو ستة أشهر ويوم في السنة على الدوام أتم وصام في السفر، ويبدأ بالتمام والصيام متى علم أن هذا حاله ولو كان في أول يوم من سفره.
الشرط السادس: لا يجوز للمسافر التقصير حتى يخفى عليه الآذان، ولا يجوز له الترخص قبل ذلك ولو نوى السفر ليلاً. وكذا في عوده يقصر حتى يبلغ سماع الآذان (بصوت الإنسان لا بالمكبرات) من مصره، فإذا سمع أتم. ولو نوى الإقامة في غير بلده عشرة أيام أتم، ودونها يقصر. وإن تردد عزمه قصر ما بينه وبين شهر، ثم يتم ولو صلاة واحدة. ولو نوى الإقامة ثم بدا له وعزم على قطع الإقامة رجع إلى التقصير سواء صلى صلاة واحدة بنية الإتمام أو أكثر أم لم يصل. ولو عدل بنيته مرة أخرى إلى البقاء لزمه أن ينوي إقامة عشرة أيام جديدة ليتم.
وأما القصر:
فإنه عزيمة إلا في أحد المواطن الأربعة: مكة والمدينة والمسجد الجامع بالكوفة والحاير فإنه مخير، والإتمام أفضل. وإذا تعين القصر فأتم عامداً أعاد على كل حال، وإن كان جاهلاً بالتقصير فلا إعادة ولو كان الوقت باقياً، وإن كان ناسياً لا يعيد في الوقت، ولا يقضي إن خرج الوقت. ولو قصر المسافر اتفاقاً صحت صلاته، وإذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر والوقت باق يقصر اعتباراً بحال الأداء، ولو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق يتم اعتباراً بحال الأداء.
ويستحب: أن يقول عقيب كل فريضة ثلاثين مرة: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله، والله أكبر جبراً للفريضة، ولا يلزم المسافر متابعة الحاضر إذا أتم به، بل يقتصر على فرضه ويسلم منفرداً.
وأما اللواحق، فمسائل:
الأولى: إذا خرج إلى مسافة فمنعه مانع اعتبر، فإن كان بحيث يخفى عليه الآذان قصر إذا لم يرجع عن نية السفر، وإن كان بحيث يسمعه أو بدا له عن السفر أتم، ويستوي في ذلك المسافر في البر والبحر.
الثانية: لو خرج إلى مسافة فردته الريح، فإن بلغ سماع الآذان أتم ، وإلا قصر.
الثالثة: إذا عزم على الإقامة في غير بلده عشرة أيام، ثم خرج إلى ما دون المسافة فإن عزم العود والإقامة أتم ذاهباً وفي البلد.
الرابعة: من دخل في صلاة بنية القصر، ثم عَنَّ له الإقامة وعزم على الإقامة أتم. ولو نوى الإقامة عشراً ودخل في صلاته، فعن له السفر وعزم على السفر يرجع إلى التقصير. ولو جدد العزم على السفر بعد الفراغ من صلاته التمام عاد إلى القصر.
الخامسة: الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة، لا بحال وجوبها ، فإذا فاتت قصراً قضيت كذلك.
السادسة: إذا نوى المسافة وخفي عليه الأذان وقصر، فبدا له لم يعد صلاته.
السابعة: إذا دخل وقت نافلة الزوال فلم يصل وسافر استحب له قضاؤها ولو في السفر.
* * *
الطهارة: اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة، وكل واحد منها ينقسم إلى: واجب وندب.
فالواجب من الوضوء: ما كان لصلاة واجبة، أو طواف واجب أو لمس كتابة القرآن إن وجب، والمندوب ما عداه.
والواجب من الغسل: ما كان لأحد الأمور الثلاثة، أو لدخول المساجد أو لقراءة العزائم إن وجبا. وقد يجب إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه بقدر ما يغتسل الجنب، ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة، والمندوب ما عداه.
والواجب من التيمم: ما كان لصلاة واجبة عند تضيق وقتها، وللجنب في أحد المسجدين ليخرج به، والمندوب ما عداه. وقد تجب الطهارة بنذر وشبهه.
وهذا الكتاب يعتمد على أربعة أركان :
الركن الأول : في المياه
فيه أطراف:
الأول: في الماء المطلق
وهو: كل ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة وكله طاهر مزيل للحدث والخبث، وباعتبار وقوع النجاسة فيه ينقسم إلى: جار، ومحقون، وماء بئر.
أما الجاري : فلا ينجس إلا باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه (اللون، أو الطعم، أو الرائحة)، ويطهر بكثرة الماء الطاهر عليه - متدافعاً - حتى يزول تغيره. ويلحق بحكمه ماء الحمام إذا كان له مادة . ولو مازجه طاهر فغيره أو تغير من قبل نفسه لم يخرج عن كونه مطهرا ما دام إطلاق اسم الماء باقياً عليه.
وأما المحقون: فما كان منه دون الكر فإنه ينجس بملاقاة النجاسة، ويطهر بإلقاء كر عليه فما زاد دفعة، ولا يطهر بإتمامه كراً. وما كان منه كراً فصاعداً لا ينجس إلا أن تغير النجاسة أحد أوصافه. ويطهر بإلقاء كر عليه فكر حتى يزول التغير. ولا يطهر بزواله من نفسه، ولا بتصفيق الرياح، ولا بوقوع أجسام طاهرة فيه تزيل عنه التغير.
والكر: (457 لتر)، أو ما كان كل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفاً. ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران والحياض والأواني.
وأما ماء البئر: فإنه ينجس بالملاقاة إذا كان ما فيه أقل من كر وماؤه يأتيه بالرشح، أما إذا كان ماؤه يأتيه بالعين المتصلة بمادة الماء الجوفي أو كان ماؤه كراً فما فوق فلا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه: اللون أو الطعم أو الرائحة. وطريقة تطهيره: ينزح منه ماء بحسب ما وقع فيه.
1- من موت العصفور إلى الدجاجة (أو ما في حجمها) فيه : بين (10 لتر-100 لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله، والعقرب والحية والوزغ ينـزح لها بين (30 لتر-70 لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله.
2- من موت الشاة أو الكلب (أو ما في حجمها) فيه: بين (100-460 لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله.
3- من الدم أو البول أو العذرة أو المني أو المسكر فيه: بين (70 -460 لتر) بحسب كثرة ما وقع وحاله، فإذا كانت العذرة سائلة أو تفسخت ينـزح (400 لتر)، وإذا كانت جامدة ولم تتفسخ ينزح (100 لتر) بعد إخراجها.
4- من موت الحمار أو البقرة أو الجمل وشبهها فيه بين (460-700 لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله.
5- من موت الإنسان ينزح (700 لتر).
فإن بقي في الماء لون أو طعم أو ريح من تفسخ الحيوان أو من دم أو بول أو خمر أو غيره نزح من البئر ماء حتى ينقى الماء وتذهب الريح واللون والطعم التي طرأت من النجاسة.
فروع ثلاثة:
الأول: حكم صغير الإنسان في النزح حكم كبيره.
الثاني: اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح، وإن تماثل تضاعف النزح أيضاً.
الثالث: إذا تقطع الحيوان (الكلب وما فوقه) أو تفسخ في البئر نزح جميع مائها، فإن تعذر نزحها لم تطهر إلا بالتراوح أو الضخ يوم إلى الليل، وهذا هو الأفضل حتى فيما دون الكلب.
ويستحب أن يكون بين البئر والبالوعة خمسة أذرع إذا كانت الأرض صلبة، أو كانت البئر فوق البالوعة، وإن لم يكن كذلك فسبع. ولا يحكم بنجاسة البئر إلا أن يعلم وصول ماء البالوعة إليها. وإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز استعماله في الطهارة مطلقاً، ولا في الأكل ولا في الشرب إلا عند الضرورة. ولو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما، وإن لم يجد غير مائهما تيمم.
الثاني: في المضاف
وهو كل ما اعتصر من جسم أو مزج به مزجاً يسلبه إطلاق الاسم، وهو طاهر لكن لا يزيل حدثاً ولا خبثاً، ويجوز استعماله فيما عدا ذلك. ومتى لاقته النجاسة نجس قليله وكثيره، ولم يجز استعماله في أكل ولا شرب. ولو مزج طاهره بالمطلق اعتبر في رفع الحدث به إطلاق الاسم عليه.
وتكره الطهارة بماء أسخن بالشمس في الآنية، وبماء أسخن بالنار في غسل الأموات. والماء المستعمل في غسل الأخباث نجس سواء تغير بالنجاسة أو لم يتغير، عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم يتغير بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة من خارج. والمستعمل في الوضوء طاهر ومطهر، وما استعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر، ولا يرفع الحدث.
الثالث: في الأسئار
وهي كلها طاهرة عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر، والأفضل تجنب سؤر المسوخ.
ومن عدا الخوارج (خوارج النهروان أو من شاكلهم)، والغلاة (الذين يقولون بالألوهية المطلقة لمخلوق)، والنواصب (سواء نصبوا العداء للأئمة أو المهديين أو شيعتهم) من أصناف المسلمين طاهر الجسد والسؤر.
ويكره: سؤر الجلال، وسؤر ما أكل الجيف إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة، والحائض التي لا تؤمن، وسؤر البغال والحمر والفأرة والحية والعقرب والوزغ. وينجس الماء بموت الحيوان ذي النفس السائلة، دون ما لا نفس له. وما لا يدرك بالطرف من الدم ينجس الماء.
* * *
الركن الثاني : في الطهارة المائية
وهي: وضوء، وغسل.
وفي الوضوء فصول:
الأول: في الأحداث الموجبة للوضوء
وهي ستة : خروج البول، والغائط، والريح من الموضع المعتاد.
ولو خرج الغائط من الأمعاء الدقيقة لا ينقض ومن الغليظة ينقض. ولو اتفق المخرج في غير الموضع المعتاد نقض، وكذا لو خرج الحدث من جرح ثم صار معتاداً.
والنوم الغالب على الحاستين، وفي معناه كل ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سكر. والإستحاضة القليلة .
ولا ينقض الطهارة مذي، ولا وذي، ولا ودي، ولا دم ولو خرج من أحد السبيلين عدا الدماء الثلاثة (الحيض والنفاس والإستحاضة)، ولا قيء، ولا نخامة، ولا تقليم ظفر، ولا حلق، ولا مس ذَكَر، ولا قُبِل ولا دبر، ولا لمس امرأة، ولا أكل ما مسته النار، ولا ما يخرج من السبيلين إلا أن يخالطه شئ من النواقض.
الثاني: في أحكام الخلوة
وهي ثلاثة:
الأول: في كيفية التخلي.
ويجب فيه ستر العورة، ويستحب ستر البدن. ويحرم استقبال القبلة واستدبارها، ويستوي في ذلك الصحاري والأبنية، ويجب الانحراف في موضع قد بني على ذلك.
الثاني: في الاستنجاء.
ويجب غسل موضع البول بالماء، ولا يجزي غيره مع القدرة، وأقل ما يجزي غسله مرتين، وغسل مخرج الغائط بالماء حتى يزول العين والأثر، ولا اعتبار بالرائحة.
وإذا تعدى المخرج لم يجز إلا الماء، وإذا لم يتعد كان مخيراً بين الماء والأحجار، والماء أفضل، والجمع أكمل. ولا يجزي أقل من ثلاثة أحجار. ويجب إمرار كل حجر على موضع النجاسة، ويكفي معه إزالة العين دون الأثر. وإذا لم ينق بالثلاثة فلابد من الزيادة حتى ينقى، ولو نقي بدونها أكملها وجوباً. ولا يكفي استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات، ولا يستعمل الحجر المستعمل، ولا الأعيان النجسة، ولا العظم، ولا الروث، ولا المطعوم، ولا صقيل يزلق عن النجاسة، ولو استعمل ذلك لم يطهر.
الثالث: في سنن الخلوة.
وهي: مندوبات ومكروهات.
فالمندوبات: تغطية الرأس والتقنع أفضل، والاستعاذة، والتسمية، وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول، والاستبراء، والدعاء عند الاستنجاء، وعند الفراغ وتقديم اليمنى عند الخروج والدعاء بعده.
والمكروهات: الجلوس في الشوارع، والمشارع، وتحت الأشجار المثمرة، ومواطن النزال، ومواضع اللعن، واستقبال الشمس والقمر بفرجه، أو الريح بالبول، والبول في الأرض الصلبة، وفي ثقوب الحيوان، وفي الماء واقفا وجارياً، والأكل والشرب والسواك، والاستنجاء باليمين، وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه أو اسم نبي أو وصي أو الزهراء (ع)، والكلام إلا بذكر الله تعالى، أو آية الكرسي، أو حاجة يضر فوتها.
الثالث: في كيفية الوضوء
وفروضه خمسة:
الفرض الأول: النية.
وهي: إرادة تفعل بالقلب. وكيفيتها: أن ينوي الوضوء قربة إلى الله تعالى وطلباً لطهارة الباطن. ولا يجب نية رفع الحدث، أو استباحة شئ مما يشترط فيه الطهارة أو الوجوب أو الندب. ولا تعتبر النية في طهارة الثياب، ولا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث. ولو ضم إلى نية التقرب إرادة التبرد أو غير ذلك كانت طهارته مجزية. ووقت النية عند غسل الكفين، وتتضيق عند غسل الوجه، ويجب استدامة حكمها إلى الفراغ.
تفريع: إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء كفى وضوء واحد بنية التقرب ولا يفتقر إلى تعيين الحدث الذي يتطهر منه، وكذا لو كان عليه أغسال.
الفرض الثاني: غسل الوجه.
وهو ما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلى طرف الذقن طولاً، وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضاً، وما خرج عن ذلك فليس من الوجه. ولا عبرة بالأنزع، ولا بالأغم، ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه، بل يرجع كل منهم إلى مستوي الخلقة فيغسل ما يغسله.
ويجب أن يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن، ولو غسل منكوساً لم يجز. ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية، ولا تخليلها بل يغسل الظاهر. ولو نبت للمرأة لحية لم يجب تخليلها، وكفى إفاضة الماء على ظاهرها.
الفرض الثالث: غسل اليدين.
والواجب: غسل الذراعين، والمرفقين، والابتداء من المرفق. ولو غسل منكوساً لم يجز ويجب البدء باليمنى. ومن قطع بعض يده غسل ما بقي من المرفق، فإن قطعت من المرفق سقط فرض غسلها. ولو كان له ذراعان دون المرفق، أو أصابع زائدة، أو لحم نابت وجب غسل الجميع، ولو كان فوق المرفق لم يجب غسله، ولو كان له يد زائدة وجب غسلها.
الفرض الرابع: مسح الرأس.
والواجب منه: ما يسمى به ماسحاً، والمندوب: مقدار ثلاث أصابع عرضاً. ويختص المسح بمقدم الرأس، ويجب أن يكون بنداوة الوضوء، ولا يجوز استئناف ماء جديد له. ولو جف ما على يديه أخذ من لحيته أو أشفار عينيه، فإن لم يبق نداوة استأنف الوضوء. والأفضل مسح الرأس مقبلاً ويكره مدبراً. ولو غسل موضع المسح لم يجز. ويجوز المسح على الشعر المختص بالمقدم وعلى البشرة. ولو جمع عليه شعراً من غيره ومسح عليه لم يجز، وكذلك لو مسح على العمامة أو غيرها مما يستر موضع المسح.
الفرض الخامس: مسح الرجلين.
ويجب: مسح القدمين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وهما قبتا القدمين ويجوز منكوساً، وليس بين الرجلين ترتيب. وإذا قطع بعض موضع المسح مسح على ما بقي، ولو قطع من الكعب سقط المسح على القدم. ويجب: المسح على بشرة القدم، ولا يجوز على حائل من خف أو غيره. ويجب أن يمسح بكفه كلها على قدمه مع القدرة، ولا يجب أن يكون كل جزء من الكف ماسح على القدم ، بل أن تمر الكف على القدم.
مسائل ثمان:
الأولى: الترتيب واجب في الوضوء يبدأ غسل الوجه قبل اليمنى، واليسرى بعدها ومسح الرأس ثالثاً، والرجلين أخيراً. فلو خالف أعاد الوضوء - عمداً كان أو نسياناً - إن كان قد جف الوضوء، وإن كان البلل باقياً أعاد على ما يحصل معه الترتيب.
الثانية: الموالاة واجبة، وهي: أن لا يفصل بين الغسلتين والمسحتين بفاصل يخرجها عرفاً عن كونها عمل واحد وهو الوضوء، فإذا غسل وجهه بادر إلى غسل يديه ثم بادر إلى مسح رأسه ثم بادر إلى مسح رجليه دون تواني أو إهمال.
الثالثة: الفرض في الغسلات مرة واحدة، والثانية سنة، والثالثة بدعة، وليس في المسح تكرار.
الرابعة: يجزي في الغسل ما يسمى به غاسلاً وإن كان مثل الدهن. ومن كان في يده خاتم أو سير فعليه إيصال الماء إلى ما تحته، وإن كان واسعاً استحب له تحريكه.
الخامسة: من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر فإن أمكنه نزعها أو تكرار الماء عليها حتى يصل إلى البشرة وجب، وإلا أجزاه المسح عليها سواء كان ما تحتها طاهراً أو نجساً، وإذا زال العذر استأنف الطهارة.
السادسة: لا يجوز أن يتولى وضوءه غيره مع الاختيار، ويجوز عند الاضطرار.
السابعة: لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن، ويجوز له أن يمس ما عدا الكتابة.
الثامنة: دائم الحدث (من به سلس، من به البطن) إذا كان له وقت يكفي للصلاة صلى فيه، وإلا جدد وضوءه في الصلاة وأتمها، وإن تعسر عليه تطهير الخبث في الصلاة يكفيه التطهر من الحدث.
وسنن الوضوء هي: وضع الإناء على اليمين والاغتراف بها، والتسمية والدعاء، وغسل اليدين قبل إدخالهم الإناء من حدث النوم أو البول مرة ومن الغائط مرتين، والمضمضة والاستنشاق، والدعاء عندهما وعند غسل الوجه واليدين وعند مسح الرأس والرجلين، وأن يبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعيه وفي الثانية بباطنهما، والمرأة بالعكس، وأن يكون الوضوء بمد. ويكره: أن يستعين في طهارته، وأن يمسح بلل الوضوء عن أعضائه.
الرابع: في أحكام الوضوء
من تيقن الحدث وشك في الطهارة، أو تيقنهما وشك في المتأخر تطهر. وكذا لو تيقن ترك عضو أتى به وبما بعده، وإن جف البلل استأنف. وإن شك في شئ من أفعال الطهارة وهو على حاله أتى بما شك فيه ثم بما بعده. ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو في شئ من أفعال الوضوء بعد انصرافه لم يعد.
ومن ترك غسل موضع النجو أو البول وصلى أعاد الصلاة عامداً كان أو ناسياً أو جاهلاً.
ومن جدد وضوءه بنية الندب، ثم صلى وذكر أنه أخل بعضو من إحدى الطهارتين فالطهارة والصلاة صحيحتان، ولو صلى بكل واحدة منهما صلاة أعاد الأولى فقط. ولو أحدث عقيب طهارة منهما ولم يعلمها بعينها أعاد الصلاتين إن اختلفتا عدداً، وإلا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته. وكذا لو صلى بطهارة ثم أحدث وجدد طهارة ثم صلى أخرى، وذكر أنه أخل بواجب من إحدى الطهارتين.
ولو صلى الخمس بخمس طهارات وتيقن أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات أعاد ثلاث فرائض: ثلاثاً واثنتين وأربعاً.
وأما الغسل: ففيه: الواجب والمندوب.
فالواجب ستة أغسال: غسل الجنابة، والحيض، والإستحاضة التي تثقب الكرسف، والنفاس، ومس الأموات من الناس قبل تغسيلهم وبعد بردهم، وغسل الأموات.
وبيان ذلك في خمسة فصول:
الفصل الأول: في الجنابة
والنظر في: السبب، والحكم، والغسل.
أما سبب الجنابة، فأمران:
الإنزال: إذا علم أن الخارج مني، فإن حصل ما يشتبه به وكان دافقاً يقارنه الشهوة وفتور الجسد وجب الغسل، ولو كان مريضاً كفت الشهوة وفتور الجسد في وجوبه. ولو تجرد عن الشهوة والدفق - مع اشتباهه - لم يجب. وإن وجد على ثوبه أو جسده منياً وجب الغسل إذا لم يشركه في الثوب غيره، والمرأة كذلك إذا أمنت تغتسل.
والجماع: فإن جامع امرأة في قبلها والتقى الختانان وجب الغسل وإن كانت الموطوءة ميتة، وإن جامع في الدبر ولم ينزل وجب الغسل. ولو عمل بعمل قوم لوط (لعنة الله عليهم وعلى من يعمل عملهم) ولم ينزل يجب الغسل، ويجب الغسل بوطء بهيمة إذا لم ينزل.
تفريع: الغسل يجب على الكافر عند حصول سببه، لكن لا يصح منه في حال كفره، فإذا أسلم وجب عليه ويصح منه. ولو اغتسل ثم ارتد ثم عاد لم يبطل غسله.
وأما الحكم: فيحرم عليه: قراءة كل واحدة من العزائم وقراءة بعضها حتى البسملة إذا نوى بها إحداها، ومس كتابة القرآن أو شئ عليه اسم الله تعالى سبحانه أو اسم نبي أو وصي، والجلوس في المساجد، ووضع شئ فيها، والجواز في المسجد الحرام أو مسجد النبي (ص) خاصة. ولو أجنب فيهما لم يقطعهما إلا بالتيمم.
ويكره له: الأكل والشرب، وتخفف الكراهة بالمضمضة والاستنشاق، وقراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم، وأشد من ذلك قراءة سبعين وما زاد أغلظ كراهية، ومس المصحف، والنوم حتى يغتسل أو يتوضأ أو يتيمم ، والخضاب.
وأما الغسل: فواجباته خمس: النية، واستدامة حكمها إلى آخر الغسل. وغسل البشرة بما يسمى غسلاً، وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به. والترتيب: يبدأ بالرأس ثم الجسد، والأفضل البدء بالجانب الأيمن ثم الأيسر ولا يجب فيهما الترتيب، ويسقط الترتيب بارتماسة واحدة.
وسنن الغسل: تقديم النية عند غسل اليدين، وتتضيق عند غسل الرأس، وإمرار اليد على الجسد، وتخليل ما يصل إليه الماء استظهاراً، والبول أمام الغسل والاستبراء، وكيفيته: أن يمسح من المقعد إلى أصل القضيب ثلاثاً، ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثاً، وينتره ثلاثاً. وغسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء، والمضمضة والاستنشاق، والغسل بصاع (3 لتر ماء).
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا رأى المغتسل بللاً مشتبهاً بعد الغسل، فإن كان قد بال أو استبرأ لم يعد، وإلا كان عليه الإعادة.
الثانية: إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث يعيد الغسل من رأس، ودائم الحدث يضم إليه الوضوء إذا لم يكن لديه وقت يكفي للغسل دون أن يتخلله حدث.
الثالثة: لا يجوز أن يغسله غيره مع الإمكان، ويكره أن يستعين فيه.
الفصل الثاني: في الحيض
وهو يشتمل على: بيانه، وما يتعلق به.
أما الأول: فالحيض: الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة، ولقليله حد. وفي الأغلب يكون أسوداً غليظاً حاراً يخرج بحرقة. وقد يشتبه بدم العذرة فتعتبر بالقطنة، فإن خرجت مطوقة فهو العذرة. وكل ما تراه الصبية قبل بلوغها تسعاً فليس بحيض.
وأقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة، وكذا أقل الطهر، ولا حد لأكثره. ويشترط التوالي في الثلاثة. وما تراه المرأة بعد يأسها لا يكون حيضاً. وتيأس المرأة القرشية ببلوغ ستين، وغير القرشية ببلوغ خمسين سنة.
وكل دم رأته المرأة دون الثلاثة فليس بحيض مبتدئة كانت أو ذات عادة. وما تراه من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض، [سواء] تجانس أو اختلف. وتصير المرأة ذات عادة بأن ترى الدم دفعة، ثم ينقطع على أقل الطهر فصاعداً، ثم تراه ثانياً بمثل تلك العدة، ولا عبرة باختلاف لون الدم.
مسائل خمس:
الأولى: ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم. والمبتدئة إن اطمأنت أنه حيض تترك العبادة، وإلا فلا تترك العبادة حتى تمضي لها ثلاثة أيام.
الثانية: لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع ورأت قبل العاشر كان الكل حيضاً، ولو تجاوز العشرة رجعت إلى التفصيل الذي نذكره. ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم رأته كان الأول حيضاً منفرداً، والثاني يمكن أن يكون حيضا مستأنفاً.
الثالثة: إذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة، فإن خرجت نقية اغتسلت، وإن كانت متلطخة صبرت المبتدئة حتى تنقى أو تمضي لها عشرة أيام. وذات العادة تغتسل بعد ثلاثة أيام من عادتها، فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم، وإن تجاوز كان ما أتت به مجزياً.
الرابعة: إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل على كراهية.
الخامسة: إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى مقدار الطهارة والصلاة وجب عليها القضاء، وإن كان قبل ذاك لم يجب، وإن طهرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء ركعة وجب عليها الأداء ومع الإخلال القضاء.
وأما ما يتعلق به ، فثمانية أشياء:
الأول: يحرم عليها كل ما يشترط فيه الطهارة، كالصلاة والطواف ومس كتابة القرآن. ويكره حمل المصحف ولمس هامشه. ولو تطهرت لم يرتفع حدثها.
الثاني: لا يصح منها الصوم .
الثالث: لا يجوز لها الجلوس في المسجد، ويكره الجواز فيه.
الرابع: لا يجوز لها قراءة شئ من العزائم، ويكره لها ما عدا ذلك، وتسجد لو تلت السجدة، وكذا إن استمعت.
الخامس: يحرم على زوجها وطؤها حتى تطهر، ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل. فإن وطأها عامداً عالماً وجب عليه الكفارة، والكفارة: في أوله دينار (أي مثقال ذهب عيار 18 حبة)، وفي وسطه نصف دينار، وفي آخره ربع دينار. ولو تكرر منه الوطء في وقت لا تختلف فيه الكفارة لم تتكرر، وإن اختلفت تكررت.
السادس: لا يصح طلاقها إذا كانت مدخولاً بها، وزوجها حاضر معها.
السابع: إذا طهرت وجب عليها الغسـل، وكيفيته مثل غسل الجنابـة، ويستحب معـه
الوضوء قبله أو بعده، ويجب قضاء الصوم دون الصلاة.
الثامن: يستحب أن تتوضأ في وقت كل صلاة، وتجلس في مصلاها بمقدار زمان صلاتها ذاكرة الله تعالى، ويكره لها الخضاب.
الفصل الثالث: في الاستحاضة
وهو يشتمل على: أقسامها، وأحكامها.
أما الأول: فدم الاستحاضة - في الأغلب - أصفر بارد رقيق يخرج بفتور. وقد يتفق مثل هذا الوصف حيضاً، إذ الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وفي أيام الطهر طهر. وكل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام ولم يكن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة. وكذا كل ما يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة، أو يزيد عن أكثر أيام النفاس ولا يحمل صفة دم الحيض، أو يكون مع الحمل، أو مع اليأس أو قبل البلوغ.
وإذا تجاوز الدم عشرة أيام وهي ممن تحيض فقد امتزج حيضها بطهرها، فهي: إما مبتدئة، وأما ذات عادة مستقرة، أو مضطربة.
فالمبتدئة: ترجع إلى اعتبار الدم، فما شابه دم الحيض فهو حيض، وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة بشرط أن يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة. فإن نقص أو زاد، أو كان لونه لوناً واحداً، أو لم يحصل فيه شريطتا التميز رجعت إلى عادة نسائها إن اتفقن، فإن كن مختلفات جعلت حيضها في كل شهر سبعة أيام.
وذات العادة: أ- تجعل عادتها حيضاً وما سواه استحاضة، فإن اجتمع لها مع العادة تميز تعمل على العادة.
وها هنا مسائل:
الأولى: إذا كانت عادتها مستقرة عدداً ووقتاً فرأت ذلك العدد متقدماً على ذلك الوقت أو متأخراً عنه تحيضت بالعدد وألقت الوقت ، لأن العادة تتقدم وتتأخر، سواء رأته بصفة دم الحيض أو لم يكن.
الثانية: لو رأت الدم قبل العادة وفي العادة، فإن لم يتجاوز العشرة فالكل حيض، وإن تجاوز جعلت العادة حيضاً، وكان ما تقدمها إستحاضة. وكذا لو رأت في وقت العادة وبعدها. ولو رأت قبل العادة وفي العادة وبعدها، فإن لم يتجاوز العشرة فالجميع حيض، وإن زاد على العشرة فالحيض وقت العادة والطرفان إستحاضة.
الثالثة: لو كانت عادتها في كل شهر مرة واحدة عدداً معيناً، فرأت في شهر مرتين بعدد أيام العادة ويفصل بينهما أقل الطهر أو أكثر كان ذلك حيضاً، ولو جاء في كل مرة أزيد من العادة لكان حيضاً إذا لم يتجاوز العشرة، فإن تجاوز تحيضت بقدر عادتها وكان الباقي إستحاضة.
والمضطربة العادة ترجع إلى التميّز فتعمل عليه، فإن إطمأنت من الصفات أنه حيض تركت العبادة، وإلا فلا تترك الصلاة إلا بعد مضي ثلاثة أيام وتطمئن أنه حيض، فإن فقد التميّز فهنا مسائل ثلاث:
الأولى: لو ذكرت العدد ونسيت الوقت تجعل أول أيام الدم حيض بعدد أيامها والباقي إستحاضة.
الثانية: لو ذكرت الوقت ونسيت العدد، فإن ذكرت أول حيضها أكملته بعدد نسائها إن اتفقن وسبعة أيام إن اختلفن، وإن ذكرت آخره جعلته نهاية عدد نسائها إن اتفقن ونهاية سبعة أيام إن اختلفن، وعملت في بقية الزمان ما تعمله المستحاضة، وتقضي صوم الأيام التي جعلتها حيضاً فقط.
الثالثة: لو نسيتهما جميعاً، فهذه تتحيض في كل شهر بعدد أيام نسائها إن اتفقن، وبسبعة أيام إن اختلفن ما دام الاشتباه باقياً.
وأما أحكامها، فنقول:
دم الإستحاضة إما أن لا يثقب الكرسف (لا تمتلئ القطنة دماً)، أو يثقبه ولا يسيل، أو يسيل.
وفي الأول: يلزمها تغيير القطنة، وتجديد الوضوء عند كل صلاة، ولها أن تجمع بين الصلاتين بوضوء واحد.
وفي الثاني: يلزمها مع تغيير القطنة تغيير الخرقة، والغسل لصلاة الغداة (الفجر).
وفي الثالث: يلزمها مع ذلك غسلان، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما، وإذا فعلت ذلك صارت بحكم الطاهرة، وإن أخلت بذلك لم تصح صلاتها. وإن أخلت بالأغسال لم يصح صومها.
الفصل الرابع: في النفاس
النفاس: دم الولادة، وليس لقليله حد، فجاز أن يكون لحظة واحدة. ولو ولدت ولم تر دماً لم يكن لها نفاس. ولو رأت قبل الولادة كان طهراً. وأكثر النفاس عشرة أيام. ولو كانت حاملا بإثنين وتراخت ولادة أحدهما كان ابتداء نفاسها من وضع الأول، وعدد أيامها من وضع الأخير.
ولو ولدت ولم تر دماً ثم رأت في العاشر كان ذلك نفاساً. ولو رأت عقيب الولادة ثم طهرت ثم رأت العاشر أو قبله كان الدمان وما بينهما نفاساً. وإذا استمر الدم بعد العاشر فإن تميز بأوصاف الإستحاضة فهو إستحاضة، وإلا فهو حيض. فإن كانت ذات عادة عددية تحيضت بعدد أيامها، وإلا فبعدد نسائها أو سبعة أيام، فإن استمر الدم استظهرت بثلاثة أيام ثم ما بعدها إستحاضة.
ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض، وكذا ما يكره، ولا يصح طلاقها. وغسلها كغسل الحائض سواء.
الفصل الخامس: في أحكام الأموات
وهي خمسة:
الأول: في الاحتضار.
ويجب فيه: توجيه الميت إلى القبلة بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة، وهو فرض على الكفاية.
ويستحب تلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبي والأئمة والمهديين (ع)، وكلمات الفرج، ونقله إلى مصلاه، ويكون عنده مصباح إن مات ليلاً، ومن يقرأ القرآن. وإذا مات غمضت عيناه، وأطبق فوه، ومدت يداه إلى جنبيه، وغطي بثوب. ويعجل تجهيزه إلا أن يكون حالة مشبهة، فيستبرأ بعلامات الموت أو يصبر عليه ثلاثة أيام.
ويكره: أن يطرح على بطنه حديد، وأن يحضره جنب أو حائض.
الثاني : في التغسيل.
وهو فرض على الكفاية، وكذا تكفينه ودفنه والصلاة عليه، وأولى الناس به أولاهم بميراثه. وإذا كان الأولياء رجالاً ونساء فالرجال أولى، والزوج أولى بالمرأة من كل أحد في أحكامها كلها.
ويجوز أن يغسل الكافر المسلم إذا لم يحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم (محرمة)، وكذا تغسل الكافرة المسلمة إذا لم تكن مسلمة ولا ذو رحم (محرم). ويغسل الرجل محارمه من وراء الثياب ويكشف الوجه والكفين وظاهر وباطن القدمين إذا لم تكن مسلمة. وكذا المرأة ويُكشف صدره فوق السرة ورجليه دون الركبة. ولا يغسل الرجل من ليست له بمحرم إلا ولها دون ثلاث سنين، وكذا المرأة تغسل من له دون خمس سنين، ويغسلها مجردة وتغسله مجرد.
وكل مظهر للشهادتين وإن لم يكن معتقداً للحق يجوز تغسيله، عدا الخوارج والغلاة والنواصب. والشهيد الذي قتل بين يدي الإمام ومات في المعركة لا يغسل ولا يكفن، ويصلى عليه. وكذا من وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال قبل قتله، ثم لا يغسل بعد ذلك.
وإذا وجد بعض الميت فإن كان فيه الصدر أو الصدر وحده غسل وكفن وصلي عليه ودفن، وإن لم يكن وكان فيه عظم غسل ولف في خرقة ودفن، وكذا السقط إذا ولجته الروح أو كان له أربعة أشهر فصاعداً. وإن لم يكن فيه عظم اقتصر على لفه في خرقة ودفنه، وكذا السقط إذا لم تلجه الروح. وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر ولا محرم من النساء فلا تقربه الكافرة، وتصب المسلمة عليه الماء صباً من وراء ثيابه فوق سرته وتحت ركبتيه، ويحنط بالكافور ويدفن. أما الميتة فيصب عليها المسلم من غير المحارم الماء على وجهها ويديها وقدميها فقط، وتحنط بالكافور وتدفن.
ويجب: إزالة النجاسة من بدنه أولاً، ثم يغسل بماء السدر يبدأ برأسه، ثم بجانبه الأيمن ثم الأيسر، وأقل ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم. وبعده بماء الكافور على الصفة المذكورة، وبماء القراح أخيراً كما يغسل من الجنابة. ووضوء الميت مستحب وليس بواجب. ولا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات المذكورة إلا عند الضرورة. ولو عدم الكافور والسدر غسل بالماء القراح مرة واحدة، والثلاث أفضل. ولو خيف من تغسيله تناثر جلده كالمحترق والمجدور يتيمم بالتراب كما يتيمم الحي العاجز.
وسنن الغسل: أن يوضع على ساجة مستقبل القبلة، وأن يغسل تحت الظلال، وأن يجعل للماء حفيرة، ويكره إرساله في الكنيف ولا بأس بالبالوعة، وأن يفتق قميصه وينزع من تحته، وتستر عورته، وتلين أصابعه برفق، ويغسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل، ويغسل فرجه بالسدر والحرض (الإشنان) أو الصابون الخالي من العطر ويغسل يداه، ويبدأ بشق رأسه الأيمن، ويغسل كل عضو منه ثلاث مرات في كل غسلة، ويمسح بطنه في الغسلتين الاولتين، إلا أن يكون الميت المرأة حاملاً. وأن يكون الغاسل منه على الجانب الأيمن، ويغسل الغاسل يديه مع كل غسلة، ثم ينشفه بثوب بعد الفراغ.
ويكره: أن يجعل الميت بين رجليه، وأن يقعده، وأن يقص أظفاره، وأن يرجل شعره، وأن يغسل مخالفاً، فإن اضطر غسله غسل أهل الخلاف.
الثالث: في تكفينه.
ويجب أن يكفن في ثلاثة أقطاع مئزر وقميص وإزار، ويجزي عند الضرورة قطعة. ولا يجوز التكفين بالحرير. ويجب أن يمسح مساجده بما تيسر من الكافور، إلا أن يكون الميت محرماً ، فلا يقربه الكافور. وأقل الفضل في مقدار درهم، وأفضل منه أربعة دراهم، وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلثاً. وعند الضرورة يدفن بغير كافور. ولا يجوز تطيبه بغير الكافور والذريرة.
وسنن هذا القسم: أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه، أو يتوضأ وضوء الصلاة وأن يزاد للرجل حبرة عبرية غير مطرزة بالذهب، وخرقة لفخذيه، ويكون طولها ثلاثة أذرع ونصفاً في عرض شبر تقريباً، فيشد طرفاها على حقويه ويلف بما استرسل منها فخذاه لفاً شديداً بعد أن يجعل بين إليتيه شئ من القطن، وإن خشي خروج شئ فلا بأس أن يحشى في دبره قطناً. وعمامة يعمم بها محنكاً يلف رأسه بها لفاً ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره. وتزاد المرأة على كفن الرجل لفافة لثدييها ونمطاً، ويوضع لها بدلاً من العمامة قناع. وأن يكون الكفن قطناً، وتنثر على الحبرة واللفافة والقميص ذريرة، وتكون الحبرة فوق اللفافة والقميص باطنها، ويكتب على الحبرة والقميص والأزار والجريدتين اسمه وأنه يشهد الشهادتين، وإن ذكر الأئمة والمهديين (ع) وعددهم إلى آخرهم كان حسناً. ويذكر صاحبه الذي به يعد من أهل الإسلام لا من أهل الجاهلية، ويكون ذلك بتربة الحسين (ع)، فإن لم توجد فبالأصبع. وإن فقدت الحبرة يجعل بدلها لفافة أخرى. وأن يخاط الكفن بخيوط منه، ولا يبل بالريق، ويجعل معه جريدتان من سعف النخل، فإن لم يوجد فمن السدر، فإن لم يوجد فمن الخلاف، وإلا فمن شجر رطب. ويجعل إحداهما من الجانب الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده، والأخرى من الجانب اليسار بين القميص والإزار، وأن يسحق الكافور بيده، ويجعل ما يفضل عن مساجده على صدره. وأن يطوي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن، والأيمن على الأيسر.
ويكره: تكفينه في الكتان، وأن يعمل للأكفان المبتدئة أكمام، وأن يكتب عليها بالسواد، وأن يجعل في سمعه أو بصره شئ من الكافور.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا خرج من الميت نجاسة بعد تكفينه، فإن لاقت جسده غسلت بالماء وإن لاقت كفنه فكذلك، إلا أن يكون بعد طرحه في القبر فإنها تقرض.
الثانية: كفن المرأة على زوجها وإن كانت ذات مال، لكن لا يلزمه زيادة على الواجب. ويؤخذ كفن الرجل عن أصل تركته مقدماً على الديون والوصايا، فإن لم يكن له كفن لم يدفن عرياناً بل يجب على المسلمين بذل الكفن، بل ويستحب ما يحتاج إليه الميت من سدر وكافور وغيره.
الثالثة: إذا سقط من الميت شئ من شعره أو جسده، وجب أن يطرح معه في كفنه.
الرابع: في مواراته في الأرض.
وله مقدمات مسنونة كلها: أن يمشي المشيع وراء الجنازة، أو أحد جانبيها، وأن يربع الجنازة، ويبدأ بمقدمها الأيمن، ثم يدور من ورائها إلى الجانب الأيسر، وأن يعلم المؤمنون بموت المؤمن، وأن يقول المشاهد للجنازة: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم، وأن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل القبر مما يلي رجليه والمرأة مما يلي القبلة، وأن ينقله في ثلاث دفعات، وأن يرسله إلى القبر سابقاً برأسه، والمرأة عرضاً، وأن ينزل من يتناوله حافياً، ويكشف رأسه، ويحل أزراره.
ويكره أن يتولى ذلك الأقارب، إلا في المرأة فيتولى أمرها زوجها أو محارمها. ويستحب أن يدعو عند إنزاله القبر.
وفي الدفن فروض وسنن، فالفروض: أن يوارى في الأرض مع القدرة. وراكب البحر يلقى فيه، إما مثقلاً أو مستوراً في وعاء كالخابية أو شبهها، مع تعذر الوصول إلى البر. وأن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة، إلا أن يكون امرأة غير مسلمة حاملاً من مسلم، فيستدبر بها القبلة.
والسنن: أن يحفر القبر قدر القامة أو إلى الترقوة، ويجعل له لحد مما يلي القبلة، ويحل عقد الأكفان من قبل رأسه ورجليه، ويجعل معه شئ من تربة الحسين (ع)، ويلقنه ويدعو له، ثم يشرج اللبن، ويخرج من قبل رجل القبر، ويهيل الحاضرون عليه التراب بظهور الأكف قائلين: إنا لله وإنا إليه راجعون. ويرفع القبر مقدار أربع أصابع، ويربع، ويصب عليه الماء من قبل رأسه ثم يدور عليه، فإن فضل من الماء شئ ألقاه على وسط القبر. ويوضع اليد على القبر ويترحم على الميت، ويلقنه الولي بعد انصراف الناس عنه بأرفع صوته. والتعزية مستحبة وهي جائزة قبل الدفن وبعده، ويكفي أن يراه صاحبها.
ويكره: فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة، وأن يهيل ذو الرحم على رحمه، وتجصيص القبور وتجديدها، ودفن الميتين في قبر واحد، وأن ينقل الميت من بلد إلى بلد آخر إلا إلى أحد المشاهد، وأن يستند إلى القبر أو يمشي عليه.
الخامس: في اللواحق.
وهي مسائل أربع:
الأولى: لا يجوز نبش القبر، ولا نقل الموتى بعد دفنهم، ولا شق الثوب على غير الأب والأخ.
الثانية: الشهيد يدفن بثيابه، وينزع عنه الفرو والخفان، أصابهما الدم أو لم يصبهما، ولا فرق بين أن يقتل بحديد أو بغيره.
الثالثة: حكم الصبي والمجنون إذا قتلا شهيدين حكم البالغ العاقل.
الرابعة: إذا مات ولد الحامل قطع واخرج، وإن ماتت هي دونه شق جوفها من الجانب الأيسر وانتزع، وخيط الموضع.
وأما الأغسال المسنونة، فمنها ثلاثون غسلاً، سبعة عشر للوقت وهي: غسل يوم الجمعة، ووقته: ما بين طلوع الفجر إلى زوال الشمس، وكلما قرب من الزوال كان أفضل. ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء أو تأخيره بعد الزوال يوم الجمعة، وقضاؤه يوم السبت.
وستة في شهر رمضان: أول ليلة منه، وليلة النصف، وسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وليلة الفطر. ويومي العيدين، ويوم عرفة، وليلة النصف من يوم رجب، ويوم السابع والعشرين منه، وليلة النصف من الشعبان، ويوم الغدير، والمباهلة، ويوم التروية.
وثمانية للفعل، وهي: غسل الإحرام، وغسل زيارة النبي (ص) والأئمة (ع)، وغسل المفرط في صلاة الكسوف (والآيات) إذا أراد قضاءها، وغسل التوبة سواء كان عن فسق أو كفر، وصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة، وصلاة الاستسقاء.
وخمسة للمكان، وهي: غسل دخول الحرم، والمسجد الحرام، والكعبة، والمدينة، ومسجد النبي (ص).
مسائل أربع:
الأولى: ما يستحب للفعل والمكان يقدم عليهما، وما يستحب للزمان يكون بعد دخوله.
الثانية: إذا اجتمعت أغسال مندوبة تكفي نية القربة.
الثالثة والرابعة: يستحب غسل من سعى إلى مصلوب ليراه عامداً بعد ثلاثة أيام، وغسل المولود مستحب.
وكل هذه الأغسال مجزية عن الوضوء. والأفضل ذكر اسم الله أثناء الغسل وبعده ويقول: اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين الطيبين الطاهرين، وطهر قلبي من الشك والشرك والظلمة والخبائث.
* * *
الركن الثالث : في الطهارة الترابية
والنظر في: أطراف أربعة
الأول: في ما يصح معه التيمم
وهو ضروب:
الأول: عدم الماء. ويجب عنده الطلب ، فيضرب (1000 متر) في كل جهة من الجهات الأربع إن كانت الأرض سهلة، و (500 متر) إن كانت حزنة. ولو أخل بالضرب حتى ضاق الوقت أخطأ، وصح تيممه وصلاته. ولا فرق بين عدم الماء أصلاً، ووجود ماء لا يكفيه لطهارته.
الثاني: عدم الوصلة إليه. فمن عدم الثمن فهو كمن عدم الماء، وكذا إن وجده بثمن يضر به في الحال، وإن لم يكن مضراً في الحال لزم شراؤه ولو كان بأضعاف ثمنه المعتاد، وكذا القول في الآلة التي يخرج بها الماء.
الثالث: الخوف. ولا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصاً أو سبعاً أو يخاف ضياع مال، وكذا لو خشي المرض الشديد أو تشقق الجلد والتهابه باستعماله الماء شديد البرودة جاز له التيمم، وكذا لو كان معه ماء للشرب وخاف العطش إن استعمله.
الطرف الثاني: فيما يجوز التيمم به
وهو: كل ما يقع عليه أسم الأرض. ولا يجوز التيمم بالمعادن، ولا بالرماد ولا بالنبات المنسحق كالاشنان والدقيق. ويجوز التيمم بأرض النورة، والجص، وتراب القبر، وبالتراب المستعمل في التيمم. ولا يصح التيمم بالتراب المغصوب ولا بالنجس، ولا بالوحل مع وجود التراب. وإذا مزج التراب بشيء من المعادن فإن استهلكه التراب جاز، وإلا لم يجز.
ويكره بالسبخة والرمل. ويستحب أن يكون من ربا الأرض وعواليها. ومع فقد التراب يتيمم بغبار ثوبه، أو لبد سرجه، أو عرف دابته، ومع فقد ذلك يتيمم بالوحل.
الطرف الثالث: في كيفية التيمم
ولا يصح التيمم قبل دخول الوقت، ويصح مع تضييقه، ولا يصح مع سعته إلا إذا حصل اليأس من الطهارة المائية كحال المريض الذي يضره الماء.
والواجب في التيمم: النية، واستدامة حكمها، والترتيب: يضع يديه على الأرض، ثم يمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه، ثم يضع يديه على الأرض ويمسح ظاهر الكفين. ولابد من ضربتين ضربة للوجه وضربة للكفين للوضوء والغسل. وإن قطعت كفاه سقط مسحهما، واقتصر على الجبهة. ولو قطع بعضهما مسح على ما بقي.
ويجب: استيعاب مواضع المسح في التيمم، فلو أبقى منها شيئاً لم يصح. ويستحب: نفض اليدين بعد ضربهما على الأرض. ولو تيمم وعلى جسده نجاسة صح تيممه، كما لو تطهر بالماء وعليه نجاسة، لكن يراعي في التيمم ضيق الوقت.
الطرف الرابع: في أحكامه
وهي عشرة:
الأول: من صلى بتيممه لا يعيد، سواء كان في حضر أو سفر.
الثاني: يجب عليه طلب الماء، فإن أخل بالطلب وصلى ثم وجد الماء في رحله أو مع أصحابه تطهر وأعاد الصلاة.
الثالث: من عدم الماء وما يتيمم به لقيد أو حبس في موضع نجس يسقط عنه الفرض أداء وقضاء، ويجب عليه الدعاء وقت الفرض.
الرابع: إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة تطهر، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة، وإن وجده وهو في الصلاة فإن تمكن من الماء دون أن يقطع صلاته تطهر وأتم الصلاة، وإلا فيمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام.
الخامس: المتيمم يستبيح ما يستبيحه المتطهر بالماء .
السادس: إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم، فإن كان ملكا لأحدهم اختص به، وإن كان ملكاً لهم جميعاً أو لا مالك له أو مع مالك يسمح ببذله، فالأفضل تخصيص الميت به.
السابع: الجنب إذا تيمم بدلاً من الغسل، ثم أحدث أعاد التيمم بدلاً من الوضوء إذا كان حدثه أصغر ولم يتمكن من الوضوء.
الثامن: إذا تمكن من استعمال الماء انتقض تيممه، ولو فقده بعد ذلك افتقر إلى تجديد التيمم. ولا ينتقض التيمم بخروج الوقت ما لم يحدث، أو لم يجد الماء.
التاسع: من كان بعض أعضائه مريضاً لا يقدر على غسله بالماء ولا مسحه جاز له التيمم، ولا يتبعض الطهارة.
العاشر: يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنية الندب، ولا يجوز له الدخول به في غير ذلك من أنواع الصلاة.
* * *
الركن الرابع : في النجاسات وأحكامها
القول في النجاسات:
وهي عشرة أنواع:
الأول والثاني: البول والغائط مما لا يؤكل لحمه، إذا كان للحيوان نفس سائلة، سواء كان جنسه حراماً كالأسد، أو عرض له التحريم كالجلال. ورجيع ما لا نفس سائلة له وبوله طاهر.
الثالث: المني، وهو نجس من كل حيوان حل أكله أو حرم، ومني ما لا نفس سائلة له طاهر.
الرابع: الميتة، ولا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة، وكل ما ينجس بالموت فما قطع من جسده نجس حياً كان أو ميتاً. وما كان منه لا تحله الحياة كالعظم والشعر فهو طاهر، إلا أن تكون عينه نجسة كالكلب والخنزير والكافر.
ويجب الغسل على من مس ميتاً من الناس قبل تطهيره وبعد برده بالموت، وكذا من مس قطعة منه فيها عظم. وغسل اليد على من مس برطوبة ما لا عظم فيه، أو مس برطوبة ميتاً له نفس سائلة من غير الناس.
الخامس: الدماء، ولا ينجس منها إلا ما كان من حيوان له عرق، لا ما يكون له رشح كدم السمك وشبهه.
السادس والسابع: الكلب والخنزير، وهما نجسان عيناً ولعاباً. ولو نزا كلب على حيوان فأولده روعي في إلحاقه بأحكامه إطلاق الاسم. وما عداهما من الحيوان فليس بنجس. والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة طاهرة، ولكن لا يستعمل ماء قليل وقعت فيه فأرة أو جرذ أو وزغة للشرب أو الطهارة، ولا ماء قليل مات فيه وزغ أو عقرب أو أفعى.
الثامن: المسكرات نجسة والعصير العنبي إذا غلا واشتد وإن لم يسكر، ويطهر إذا ذهب ثلثاه.
التاسع: الفقاع.
العاشر: الكافر. وضابطه: كل من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، كالخوارج والغلاة والنواصب. واليهود والنصارى إن لم يكونوا غلاة ولا نواصب فيحكم بطهارتهم. وما عدا ذلك فليس بنجس في نفسه، وإنما تعرض له النجاسة.
ويكره: بول البغال، والحمير، والدواب، وعرق الجنب من الحرام، وعرق الإبل الجلال، والمسوخ، وذرق الدجاج.
القول في أحكام النجاسات:
تجب إزالة النجاسة عن الثياب والبدن للصلاة والطواف ودخول المساجد، وعن الأواني لاستعمالها. وعفي في الثوب والبدن عما يشق التحرز عنه من دم القروح والجروح التي لا (ترقي) وإن كثر، وعما دون دائرة قطرها (1) سنتمتر سعة من الدم المسفوح الذي ليس من أحد الدماء الثلاثة، وما زاد عن ذلك تجب إزالته إن كان مجتمعاً أو متفرقاً. ويجوز الصلاة فيما لا يتم الصلاة فيه منفرداً وإن كان فيه نجاسة لم يعف عنها في غيره.
وتعصر الثياب من النجاسات كلها إلا من بول الرضيع، فإنه يكفي صب الماء عليه. وإذا علم موضع النجاسة غسل، وإن جهل غسل كل موضع يحصل فيه الاشتباه. ويغسل الثوب والبدن من البول مرتين.
وإذا لاقى الكافر أو الكلب أو الخنـزير ثوب الإنسان رطباً غسل موضع الملاقاة واجباً، وإن كان يابساً رشه بالماء استحباباً، وفي البدن يغسل رطباً. وإذا أخل المصلي بإزالة النجاسات عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وفي خارجه، فإن لم يعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة مطلقاً. ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة فإن أمكنه إلقاء الثوب وستر العورة بغيره وجب وأتم، وإن تعذر إلا بما يبطلها أستأنف.
والمربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد غسلته في كل يوم مرة، وإن جعلت تلك الغسلة أمام صلاة الظهر كان حسناً لتصلي الظهرين والعشائين بثوب طاهر. وإذا كان مع المصلي ثوبان وأحدهما نجس لا يعلمه بعينه صلى الصلاة الواحدة في كل واحد منهما منفرداً. وفي الثياب الكثيرة (النجسة وأحدها طاهر) كذلك إلا أن يتضيق الوقت فيصلي عرياناً. ويجب أن يلقي الثوب النجس ويصلي عرياناً إذا لم يكن هناك غيره، وإن لم يمكنه صلى فيه ولا يعيد.
والشمس إذا جففت البول وغيره من النجاسات عن الأرض والبواري والحُصُر طهر موضعه، وكذا كل ما لا يمكن نقله كالنباتات والأبنية بشرط زوال عين النجاسة، والأفضل إلقاء ماء على البول ثم إذا جففته الشمس طهر.
وتطهر النار ما أحالته، والتراب باطن الخف وأسفل القدم والنعل، والأرض يطهر بعضها بعضاً. وماء الغيث لا ينجس في حال وقوعه، ولا في حال جريانه من ميزاب وشبهه، إلا أن تغيره النجاسة.
والماء الذي تغسل به النجاسة نجس سواء كان في الغسلة الأولى أو الثانية، وسواء كان متلوثا بالنجاسة أو لم يكن، هذا إذا بقي على المغسول عين النجاسة، أما إذا نقي المغسول من النجاسة فالغسالة طاهرة، وكذلك القول في الإناء.
القول في الآنية:
ولا يجوز الأكل والشرب في آنية من ذهب أو فضة، ولا استعمالها في غير ذلك. ويكره المفضض، ويجوز اتخاذها لغير الاستعمال. ولا يحرم استعمال غير الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعفت أثمانها. وأواني المشركين طاهرة حتى تعلم نجاستها.
ولا يجوز استعمال شئ من الجلود إلا ما كان طاهراً في حال الحياة ذكياً. ويستحب اجتناب ما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ بعد ذكاته. ويستعمل من أواني الخمر ما كان مقيراً أو مدهوناً بعد غسله. ويكره: ما كان خشباً أو قرعاً أو خزفاً غير مدهون.
ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً أولاهن بالتراب، ومن الخمر والجرذ إذا مات فيه ثلاثاً بالماء، والسبع أفضل. ومن غير ذلك مرة واحدة غير غسلة الإزالة، والثلاث أفضل.
* * *
كتاب الصلاة
والعلم بها يستدعي بيان أربعة أركان :
الركن الأول : في المقدمات
وهي سبع :
الأولى: في أعداد الصلاة
والمفروض منها تسع:
صلاة اليوم والليلة، والجمعة، والعيدين، والكسوف، والزلزلة، والآيات، والطواف، والأموات، وما يلتزمه الإنسان بنذر وشبهه، وما عدا ذلك مسنون.
وصلاة اليوم والليلة خمس وهي: سبع عشرة ركعة في الحضر، الصبح ركعتان، والمغرب ثلاث، وكل واحدة من البواقي أربع. ويسقط من كل رباعية في السفر ركعتان.
ونوافلها في الحضر أربع وثلاثون ركعة: أمام الظهر ثمان، وقبل العصر مثلها، وبعد المغرب أربع، وعقيب العشاء ركعتان من جلوس تعدان بركعة، وإحدى عشر صلاة الليل مع ركعتي الشفع والوتر، وركعتان للفجر قبل الفرض. ويسقط في السفر نوافل الظهر والعصر، أما الوتيرة فلا تسقط. والنوافل كلها ركعتان بتشهد وتسليم بعدهما، إلا المنصوص على إنها أكثر من اثنين بسلام أو أقل كالوتر وصلاة الأعرابي، وسنذكر تفصيل باقي الصلوات في مواضعها إن شاء الله تعالى.
المقدمة الثانية: في المواقيت
والنظر في: مقاديرها، وأحكامها.
أما الأول: فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر والعصر، وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها، وكذلك العصر من آخره، وما بينهما من الوقت مشترك. وكذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب، وتختص من أوله بمقدار ثلاث ركعات، ثم تشاركها العشاء حتى ينتصف الليل للمختار والى طلوع الفجر للمضطر. وتختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات. وما بين طلوع الفجر الثاني - المستطير في الأفق - إلى طلوع الشمس وقت للصبح.
ويعلم الزوال بزيادة الظل بعد نقصانه، والغروب باستتار القرص، وانتظار ذهاب الحمرة من المشرق أفضل لحصول الاطمئنان بسقوط القرص. وخير الأعمال الصلاة في أول وقتها، وصلاة العشاء الأفضل تأخيرها حتى ذهاب الحمرة المغربية وصلاة العصر ساعة أو ساعتين عن زوال الشمس بحسب طول النهار وقصره.
ووقت النوافل اليومية: للظهر من حين الزوال إلى نصف ساعة، وللعصر إلى ساعة ونصف أو ساعتين ونصف بحسب طول النهار، فإن خرج الوقت وقد تلبس من النافلة ولو بركعة زاحم بها الفريضة مخففة، وإن لم يكن صلى شيئاً بدأ بالفريضة ثم يأتي بالنافلة. ولا يجوز تقديمها على الزوال إلا يوم الجمعة. ويزاد في نافلتها أربع ركعات اثنتان منها للزوال. ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربية بمقدار أداء الفريضة، فإن بلغ بذلك ولم يكن صلى النافلة أجمع بدأ بالفريضة. وركعتان من جلوس بعد العشاء ، ويمتد وقتهما بامتداد وقت الفريضة، وينبغي أن يجعلهما خاتمة نوافله.
وصلاة الليل بعد انتصافه، وكلما قرب من الفجر كان أفضل. ولا يجوز تقديمها على الانتصاف إلا لمسافر يصده جده، أو شاب يمنعه رطوبة رأسه وقضاؤها أفضل، وآخر وقتها طلوع الفجر الثاني. فإن طلع ولم يكن تلبس منها بأربع بدأ بركعتي الفجر قبل الفريضة حتى تطلع الحمرة المشرقية، فيشتغل بالفريضة. وإن كان قد تلبس بأربع تممها مخففة ولو طلع الفجر. ووقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر الأول، ويجوز أن يصليهما قبل ذلك، والأفضل إعادتهما بعده، ويمتد وقتهما حتى تطلع الحمرة، ثم تصير الفريضة أولى.
ويجوز أن يقضي الفرائض الخمس في كل وقت ما لم يتضيق وقت الفريضة الحاضرة، وكذا يصلي بقية الصلوات المفروضات، ويصلي النوافل ما لم يدخل وقت فريضة، وكذا قضاؤها.
وأما أحكامها، ففيه مسائل:
الأولى: إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض، وقد مضى من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة وجب عليه قضاؤها، ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك. ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها ويكون مؤدياً، ولو أهمل قضى. ولو أدرك قبل الغروب أو قبل الفجر إحدى الفريضتين لزمته تلك لا غير، وإن أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل الغروب لزمته الفريضتان.
الثانية: الصبي المتطوع بوظيفة الوقت، إذا بلغ بما لا يبطل الطهارة والوقت باق استأنف، وإن بقي من الوقت دون الركعة بنى على نافلته، ولا يجدد نية الفرض.
الثالثة: إذا كان له طريق إلى العلم بالوقت لم يجز له التعويل على الظن، فإن فقد العلم اجتهد، فإن غلب على ظنه دخول الوقت صلى فإن انكشف له فساد الظن قبل دخول الوقت استأنف، وإن كان الوقت دخل وهو متلبس ولو قبل التسليم لم يعد. ولو صلى قبل الوقت عامداً أو جاهلاً أو ناسياً كانت صلاته باطلة.
الرابعة: الفرائض اليومية مرتبة في القضاء بالنسبة لليوم الواحد، فلو دخل في فريضة فذكر أن عليه سابقة من نفس اليوم عدل بنيته ما دام العدول ممكناً، وإلا أستأنف المرتبة. أما بالنسبة ليومين مختلفين فلا يشترط الترتيب في القضاء، فله أن يقضي صلاة الصبح ليوم قبل أن يقضي الظهر ليوم سبقه.
الخامسة: لا تكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند قيامها، وبعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر.
السادسة: ما يفوت من النوافل ليلاً يستحب تعجيله ولو في النهار، وما يفوت نهاراً يستحب تعجيله ولو ليلاً، ولا ينتظر بها النهار.
السابعة: الأفضل في كل صلاة أن يؤتى بها في أول وقتها، إلا المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات، فإن تأخيرها إلى المزدلفة أولى ولو صار إلى ربع الليل. والعشاء الأفضل تأخيرها حتى يسقط الشفق الأحمر. والمتنفل يؤخر الظهر والعصر حتى يأتي بنافلتهما. والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب.
الثامنة: لو ظن أنه صلى الظهر فاشتغل بالعصر، فإن ذكر وهو فيها عدل بنيته، وإن لم يذكر حتى فرغ فإن كان قد صلى في أول وقت الظهر عاد بعد أن يصلي الظهر، وإن كان في الوقت المشترك أو دخل وهو فيها أجزأته وأتى بالظهر.
المقدمة الثالثة: في القبلة
والنظر في: القبلة، والمستقبل، وما يجب له، وأحكام الخلل.
الأول: القبلة.
وهي: الكعبة لمن كان في المسجد، والمسجد لمن كان في الحرم، والحرم لمن خرج عنه. وجهة الكعبة هي القبلة لا البنية، ولو زالت البنية صلى إلى جهتها، كما يصلي من هو أعلى موقفاً منها. وإن صلى في جوفها استقبل على أي جدرانها شاء على كراهية في الفريضة. ولو صلى على سطحها أبرز بين يديه منها ما يصلي إليه، ولا يحتاج إلى أن ينصب بين يديه شيئاً. وكذا لو صلى إلى بابها وهو مفتوح.
ولو استطال صف المأمومين في المسجد حتى خرج بعضهم عن سمت الكعبة بطلت صلاة ذلك البعض. وأهل كل إقليم يتوجهون إلى سمت الركن الذي على جهتهم، فأهل العراق إلى العراقي وهو الذي فيه الحجر، وأهل الشام إلى الشامي والمغرب إلى المغربي، واليمن إلى اليماني. وقبلة أهل العراق تقع بين الجنوب والغرب، فلو عرف الجدي عرف الشمال وعرف الجنوب، فإذا توجه إلى الجنوب فالقبلة تقع بين يمينه ووجهه.
الثاني: في المستقبل.
ويجب الاستقبال في الصلاة مع العلم بجهة القبلة، فإن جهلها عول على الامارات المفيدة للظن. وإذا اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده يعمل بما يظن أنه أصح. ولو لم يكن له طريق إلى الاجتهاد فأخبره كافر يعمل بخبره إن ظن بصحته . ويعول على قبلة البلد إذا لم يعلم أنها بنيت على الغلط. ومن ليس متمكناً من الاجتهاد كالأعمى يعول على غيره. ومن فقد العلم والظن فإن كان الوقت واسعاً صلى الصلاة الواحدة إلى أربع جهات لكل جهة مرة، وإن ضاق عن ذلك صلى من الجهات ما يحتمله الوقت، فإن ضاق إلا عن صلاة واحدة صلاها إلى أي جهة شاء.
والمسافر يجب عليه استقبال القبلة ، ويجوز له أن يصلي شيئاً من الفرائض على الراحلة عند الضرورة ويستقبل القبلة، فإن لم يتمكن استقبل القبلة بما أمكنه من صلاته، وينحرف إلى القبلة كلما انحرفت الدابة، فإن لم يتمكن استقبل بتكبيرة الإحرام، ولو لم يتمكن من ذلك أجزأته الصلاة وإن لم يكن مستقبلاً. وكذا المضطر إلى الصلاة ماشياً مع ضيق الوقت. ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع والسجود وفرائض الصلاة يجوز له أداء الفريضة على الراحلة اختياراً.
الثالث : ما يستقبل له.
ويجب الاستقبال في فرائض الصلاة مع الإمكان، وعند الذبح، وبالميت عند احتضاره ودفنه والصلاة عليه. وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها. ويجوز أن يصلي على الراحلة سفراً أو حضراً، وإلى غير القبلة على كراهية متأكدة في الحضر ما لم يستدبر القبلة وإلا بطلت. ويسقط فرض الاستقبال في كل موضع لا يتمكن منه كصلاة المطاردة، وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردية بحيث لا يمكن صرفها إلى القبلة.
الرابع : في أحكام الخلل.
وهي مسائل:
الأولى: الأعمى يرجع إلى غيره لقصوره عن الاجتهاد، فإن عول على رأيه مع وجود المبصر لإمارة وجدها صح، وإلا فعليه الإعادة.
الثانية: إذا صلى إلى جهة إما لغلبة الظن أو لضيق الوقت ثم تَبَيّن خطأه، فإن كان منحرفاً بين اليمين والشمال ولم يستدبر القبلة فصلاته صحيحة ولا يعيدها في الوقت أو خارجه، وإذا استدبر القبلة أعاد في الوقت ولا يعيدها في خارجه، فأما إذا تَبَيّن الخلل وهو في الصلاة فإنه يستقيم على كل حال ولا إعادة.
الثالثة: إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخرى، فإن تجدد عنده شك استأنف الاجتهاد، وإلا بنى على الأول.
المقدمة الرابعة: في لباس المصلي
وفيه مسائل:
الأولى: لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ولو كان مما يؤكل لحمه، سواء دبغ أو لم يدبغ. وما لا يؤكل لحمه - وهو طاهر في حياته مما يقع عليه الذكاة - إذا ذكي كان طاهراً، ولا يستعمل في الصلاة. ولا يفتقر استعماله في غيرها إلى الدباغ، ولكن يكره استعماله قبل الدباغ.
الثانية: الصوف والشعر والوبر والريش مما يؤكل لحمه طاهر، سواء جز من حي أو مذكى أو ميت، ويجوز الصلاة فيه. ولو قلع من الميت غسل منه موضع الاتصال، وكذا كل ما لا تحله الحياة من الميت إذا كان طاهراً في حال الحياة. وما كان نجساً في حال حياته فجميع ذلك منه نجس، ولا تصح الصلاة في شئ من ذلك إذا كان مما لا يؤكل لحمه ولو أخذ من مذكى، إلا الخز الخالص فتجوز الصلاة فيه، ولا تجوز في المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب.
الثالثة: تجوز الصلاة في فرو السنجاب، ولا تجوز في فرو الثعالب والأرانب.
الرابعة : لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال ولا الصلاة فيه إلا في الحرب، فإنه يستحب وضع قطعة حرير على الصدر، وعند الضرورة كالبرد المانع من نزعه، ويجوز للنساء مطلقاً. وفيما لا يتم الصلاة فيه كالتكة والقلنسوة لا يجوز كذلك، ويجوز الركوب عليه وافتراشه. ويكره الصلاة في ثوب مكفوف به. وإذا مزج بشئ مما يجوز فيه الصلاة حتى خرج عن كونه محضاً جاز لبسه والصلاة فيه، سواء كان أكثر من الحرير أو أقل منه على كراهية.
الخامسة: الثوب المغصوب لا يجوز الصلاة فيه، ولو أذن صاحبه لغير الغاصب أو له جازت الصلاة فيه مع تحقق الغصبية، ولو أذن مطلقاً جاز لغير الغاصب.
السادسة: لا يجوز الصلاة في حذاء له قاعدة تجعل الإبهام معلقاً في الهواء وغير مرتكز على الأرض. ويجوز الصلاة في الحذاء والنعل إن لم يكن كذلك.
السابعة: كل ما عدا ما ذكرناه يصح الصلاة فيه، بشرط أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه، وأن يكون طاهراً، وقد بينا حكم الثوب النجس. ويجوز للرجل أن يصلي في ثوب واحد، ولا يجوز للمرأة إلا في ثوبين درع وخمار ساترة جميع جسدها عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين. ويجوز أن يصلي الرجل عرياناً إذا ستر قبله ودبره على كراهية، وإذا لم يجد ثوباً سترهما بما وجده ولو بورق الشجر، ومع عدم ما يستر به يصلي عرياناً قائماً إن كان يأمن أن يراه أحد، وإن لم يأمن صلى جالساً، وفي الحالين يومئ عن الركوع والسجود. والأمة والصبية تصليان بغير خمار، فإن أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وجب عليها ستر رأسها، فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت، وكذا الصبية إذا بلغت في أثناء الصلاة بما لا يبطلها.
الثامنة: تستحب الصلاة في الثياب البيض، ولا تكره في الثياب السود، وتكره في ثوب واحد رقيق للرجال، فإن حكى ما تحته لم يجز.
ويكره أن يأتزر فوق القميص، وأن يشتمل الصماء، أو يصلي في عمامة لا حنك لها، ويكره لبس العمامة بلا حنك مطلقاً. ويكره اللثام للرجل، والنقاب للمرأة وإن منع عن القراءة حرم. وتكره الصلاة في قباء مشدود إلا في الحرب، وأن يؤم بغير رداء، وأن يصحب شيئاً من الحديد بارزاً، وفي ثوب يتهم صاحبه. وأن تصلي المرأة في خلخال له صوت. ويكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل، أو خاتم فيه صورة.
المقدمة الخامسة: في مكان المصلي
الصلاة في الأماكن كلها جائزة بشرط أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه.
والإذن قد يكون بعوض كالأجرة وشبهها، وبالإباحة وهي: إما صريحة كقوله صل فيه، أو بالفحوى كأذنه في الكون فيه، أو بشاهد الحال كما إذا كان هناك إمارة تشهد أن المالك لا يكره.
والمكان المغصوب لا تصح فيه الصلاة للغاصب، ولا لغيره ممن علم الغصب. وإن صلى عامداً عالماً كانت صلاته باطلة، وإن كان ناسياً أو جاهلاً بالغصبية صحت صلاته، ولو كان جاهلاً بتحريم المغصوب لم يعذر. وإذا ضاق الوقت وهو آخذ في الخروج صحت صلاته، ولو صلى ولم يتشاغل بالخروج لم تصح. ولو حصل في ملك غيره بأذنه ثم أمره بالخروج وجب عليه، وإن صلى والحال هذه كانت صلاته باطلة، ويصلي وهو خارج إن كان الوقت ضيقاً. ولا يجوز أن يصلي وإلى جانبه امرأة تصلي أو أمامه، سواء صلت بصلاته أو كانت منفردة، وسواء كانت محرما أو أجنبية. ويزول التحريم إذا كان بينهما حائل أو مقدار عشرة أذرع. ولو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع سجودها محاذياً لقدمه سقط المنع. ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من التباعد صلى الرجل أولاً، ثم المرأة. ولا بأس أن يصلي في الموضع النجس إذا كانت نجاسته لا تتعدى إلى ثوبه، ولا إلى بدنه، وكان موضع الجبهة طاهراً.
وتكره الصلاة: في الحمام، وبيوت الغائط، ومبارك الإبل، ومساكن النمل، ومجرى المياه، والأرض السبخة، والثلج، وبين المقابر، إلا أن يكون حائل ولو عَنَزَة (خشبة طويلة)، أو بينه وبينها عشرة أذرع. وبيوت النيران، وبيوت الخمور إذا لم تتعد إليه نجاستها، وجواد الطرق، وبيوت المجوس، ولا بأس بالبيع والكنائس.
ويكره: أن تكون بين يديه نار مضرمة، أو تصاوير. وكما تكره الفريضة في جوف الكعبة تكره على سطحها. وتكره في مرابط الخيل، والحمير، والبغال، ولا بأس بمرابض الغنم، وفي بيت فيه مجوسي، ولا بأس باليهودي والنصراني. ويكره بين يديه مصحف مفتوح، أو حائط ينز من بالوعة يبال فيها، ويكره إلى إنسان مواجه إلا أن يكون الحجة على الناس كالإمام (ع)، أو باب مفتوح.
المقدمة السادسة: في ما يسجد عليه
لا يجوز السجود على ما ليس بأرض كالجلود والصوف والشعر والوبر، ولا على ما هو من الأرض إذا كان معدناً كالملح والعقيق والذهب والفضة والقير إلا عند الضرورة، ولا على ما ينبت من الأرض إذا كان مأكولاً كالخبز والفواكه ، أو ملبوساً القطن والكتان. ولا يجوز السجود على الوحل، فإن اضطر أومأ. ويجوز السجود على القرطاس، ويكره إذا كان فيه كتابة. ولا يسجد على شئ من بدنه فإن منعه الحر عن السجود على الأرض سجد على ثوبه، وإن لم يتمكن فعلى كفه.
والذي ذكرناه إنما يعتبر في موضع الجبهة خاصة لا في بقية المساجد، ويراعي فيه أن يكون مملوكاً، أو مأذوناً فيه، وأن يكون خالياً من النجاسة. وإذا كانت النجاسة في موضع محصور كالبيت وشبهه وجهل موضع النجاسة لم يسجد على شئ منه. ويجوز السجود في المواضع المتسعة دفعاً للمشقة.
المقدمة السابعة: في الأذان والإقامة
والنظر في أربعة أشياء:
الأول: فيما يؤذن له ويقام.
وهما واجبان في الصلوات الخمس المفروضة أداء وقضاء، للمنفرد والجامع، للرجل والمرأة لكن يشترط أن تسر به المرأة، ويتأكدان فيما يجهر فيه، وأشدهما في الغداة والمغرب. ولا يؤذن لشيء من النوافل ولا لشيء من الفرائض عدا الخمس، بل يقول المؤذن: الصلاة ثلاثاً.
وقاضي الصلوات الخمس يؤذن لكل واحدة ويقيم، ولو أذن للأولى من ورده ثم أقام للبواقي كفى، وكان دونه في الفضل. ويصلي يوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة والعصر بإقامة، وكذا في الظهر والعصر بعرفة. ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا على كراهية، وما دام الأولى لم تتفرق، فإن تفرقت صفوفهم أذن الآخرون وأقاموا. وإذا أذن المنفرد ثم أراد الجماعة يستحب له أعادة الآذان والإقامة.
الثاني : في المؤذن.
ويعتبر فيه: العقل، والإسلام، والإيمان، والذكورة، ولا يشترط البلوغ بل يكفي كونه مميزاً. ويستحب: أن يكون عدلاً صَيِّتاً مبصراً، بصيراً بالأوقات متطهراً قائماً على مرتفع. ولو أذنت المرأة للنساء جاز. ولو صلى منفرداً ولم يؤذن - ساهياً - مضى في صلاته. ويعطى المؤذن الأجرة من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به.
الثالث: في كيفية الأذان.
ولا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، ويجوز تقديمه على الصبح لكن يجب إعادته بعد طلوعه.
وفصول الأذان هي: التكبير أربع، والشهادة بالتوحيد (أشهد أن لا اله إلا الله)، ثم بالرسالة (أشهد أن محمداً رسول الله)، ثم بالولاية (أشهد أن علياً والأئمة من ولده حجج الله)، ثم بالهداية (أشهد أن المهدي والمهديين من ولده حجج الله)، ثم يقول: حي على الصلاة، ثم حي على الفلاح، ثم حي على خير العمل، والتكبير بعده، ثم التهليل، كل فصل مرتان.
والإقامة فصولها مثنى مثنى، ويزاد فيها: قد قامت الصلاة مرتين، ويسقط من التهليل في آخرها مرة واحدة. والترتيب شرط في صحة الآذان والإقامة.
ويستحب فيهما سبعة أشياء: أن يكون مستقبل القبلة، وأن يقف على أواخر الفصول، ويتأنى في الآذان، ويحدر في الإقامة، وأن لا يتكلم في خلالهما، وأن يفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة إلا في المغرب، فإن الأولى أن يفصل بينهما بخطوة أو سكتة، وأن يرفع الصوت به إذا كان ذكراً، وكل ذلك يتأكد في الإقامة. ويكره الترجيع في الآذان إلا أن يريد الإشعار، وكذا يحرم قول: الصلاة خير من النوم.
الرابع: في أحكام الآذان.
وفيه مسائل:
الأولى: من نام في خلال الآذان أو الإقامة ثم استيقظ استحب له استئنافه، ويجوز له البناء، وكذا إن أغمي عليه.
الثانية: إذا أذن ثم ارتد جاز أن يعتد به ويقيم غيره، ولو ارتد في أثناء الآذان ثم رجع أستأنف.
الثالثة: يستحب لمن سمع الآذان أن يحكيه مع نفسه.
الرابعة: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، كره الكلام كراهية مغلظة إلا ما يتعلق بتدبير المصلين.
الخامسة: يكره للمؤذن أن يلتفت يميناً وشمالاً، لكن يلزم سمت القبلة في أذانه.
السادسة: إذا تشاح الناس في الآذان قدم الأعلم فالأتقى، ومع التساوي يستخار الله بالقرآن.
السابعة: إذا كانوا جماعة جاز أن يؤذنوا جميعاً ، والأفضل إن كان الوقت متسعاً أن يؤذنوا واحداً بعد واحد.
الثامنة: إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزئ به في الجماعة، وإن كان ذلك المؤذن منفرداً.
التاسعة: من أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنى في الأذان، وكذا في الإقامة، والأفضل أن يعيد الإقامة بعد أن يتطهر.
العاشرة: من أحدث في الصلاة تطهر وأعادها، ولا يعيد الإقامة إلا أن يتكلم.
الحادية عشرة: من صلى خلف إمام لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام، فإن خشي فوات الصلاة اقتصر على تكبيرتين، وعلى قوله: قد قامت الصلاة. وإن أخل بشيء من فصول الآذان استحب للمأموم أن يتلفظ به.
* * *
الركن الثاني : في أفعال الصلاة
وهي: واجبة ومندوبة، فالواجبات ثمانية:
الأول: النية
وهي ركن في الصلاة، ولو أخل بها عامداً أو ناسياً لم تنعقد صلاته. وحقيقتها: استحضار صفة الصلاة في الذهن، والقصد بها إلى أمور أربعة: الوجوب أو الندب، والقربة، والتعيين، وكونها أداء وقضاء، ولا عبرة باللفظ. ووقتها: عند أول جزء من التكبير. ويجب استمرار حكمها إلى آخر الصلاة، وهو أن لا ينقض النية الأولى. ولو نوى الخروج من الصلاة لم تبطل، وكذا لو نوى أن يفعل ما ينافيها، فإن فعله بطلت. وكذا لو نوى بشئ من أفعال الصلاة الرياء، أو غير الصلاة. ويجوز نقل النية في موارد: كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ غيرها، وكنقل الفريضة الحاضرة إلى سابقة عليها مع سعة الوقت.
الثاني: تكبيرة الإحرام
وهي ركن، ولا تصح الصلاة من دونها ولو أخل بها نسياناً. وصورتها أن يقول: الله أكبر. ولا تنعقد بمعناها، ولو أخل بحرف منها لم تنعقد صلاته. فإن لم يتمكن من التلفظ بهما كالأعجم لزمه التعلم. ولا يتشاغل بالصلاة مع سعة الوقت، فإن ضاق أحرم بترجمتها. والأخرس ينطق بها بقدر الإمكان، فإن عجز عن النطق أصلاً عقد قلبه بمعناها مع الإشارة. والترتيب فيها واجب، ولو عكس لم تنعقد الصلاة.
ويجب إن يكبر ست تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام فتكون التكبيرات سبع، الأولى هي تكبيرة الافتتاح. ولو كبر ونوى الافتتاح، ثم كبر ونوى الافتتاح بطلت صلاته. وإن كبر ثالثة ونوى الافتتاح انعقدت الصلاة أخيراً، ويكبر بعدها ست تكبيرات. ويجب أن يكبر قائماً فلو كبر قاعداً مع القدرة، أو هو آخذ في القيام لم تنعقد صلاته.
والمسنون فيها أربعة: أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مد بين حروفها، وبلفظ أكبر على وزن أفعل، وأن يسمع الإمام من خلفه تلفظه بها، وأن يرفع المصلي يديه إلى أذنيه حيث يرفع طرف الوسطى إلى الأذن، أما الإبهام فيكون منتصب موجه إلى المنحر.
الثالث: القيام
وهو ركن مع القدرة، فمن أخل به عمداً أو سهواً بطلت صلاته. وإذا أمكنه القيام مستقلاً وجب، وإلا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام، ويجوز الاعتماد على الحائط مع القدرة. ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته، وإلا صلى قاعداً. والقاعد إذا تمكن من القيام إلى الركوع وجب، وإلا ركع جالساً. وإذا عجز عن القعود صلى مضطجعاً، فإن عجز صلى مستلقياً، والأخيران يوميان لركوعهما وسجودهما. ومن عجز عن حالة في أثناء الصلاة انتقل إلى ما دونها مستمراً، كالقائم يعجز فيقعد، أو القاعد يعجز يضطجع، أو المضطجع يعجز فيستلقي، وكذا بالعكس. ومن لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه، فإن لم يقدر أومأ.
والمسنون في هذا الفصل شيئان: أن يتربع المصلي قاعداً في حال قراءته ويثني رجليه في حال ركوعه، ويتورك في حال تشهده.
الرابع: القراءة
وهي واجبة، ويتعين بالحمد في كل ثنائية، وفي الأوليين من كل رباعية وثلاثية. ويجب قراءتها أجمع. ولا يصح الصلاة مع الإخلال ولو بحرف واحد منها عمداً حتى التشديد، وكذا إعرابها. والبسملة آية منها، تجب قراءتها معها، ولا يجزي المصلي ترجمتها. ويجب ترتب كلماتها وآيها على الوجه المنقول، فلو خالف عمداً أعاد. وإن كان ناسياً استأنف القراءة ما لم يركع، وإن ركع مضى في صلاته ولو ذكر.
ومن لا يحسنها يجب عليه التعليم، فإن ضاق الوقت قرأ ما تيسر منها أو بسملتها عشرة مرات، وإن تعذر قرأ ما تيسر من غيرها، أو سبح الله وحمد الله وهلّله وكبره بقدر القراءة، ثم يجب عليه التعلم. والأخرس يحرك لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه. والمصلي في كل ثالثة ورابعة يقرأ الحمد الإمام والمأموم والمنفرد، فإن تعذر يقرأ البسملة عشرة مرات، فإن تعذر سبح.
وقراءة سورة كاملة بعد الحمد في الأوليين واجب في الفرائض مع سعة الوقت وإمكان التعليم للمختار. ولو قدم السورة على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد. ولا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئاً من سور العزائم، ولا ما يفوت الوقت بقراءته. ويجوز أن يقرن بين سورتين.
ويجب الجهر بالحمد والسورة في الصبح، وفي أولى المغرب، والعشاء. والاخفات في الظهرين، وثالثة المغرب، والأخريين من العشاء. وأقل الجهر أن يسمعه القريب الصحيح السمع إذا استمع، والاخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع. وليس على النساء جهر.
والمسنون في هذا القسم: الجهر بالبسملة في موضع الاخفات في أول الحمد، وأول السورة، وترتيل القراءة، والوقف على مواضعه، وقراءة سورة بعد الحمد في النوافل. وأن يقرأ في الظهرين والمغرب بالسور القصار ك"القدر" و "الجحد"، وفي العشاء بـ" الأعلى" و "الطارق" وما شاكلهما، وفي الصبح بـ"المدثر" و "المزمل" وما ماثلهما، وفي غداة الاثنين والخميس بـ "هل أتى"، وفي المغرب والعشاء ليلة الجمعة بـ" الجمعة" و "الأعلى"، وفي صبحها بها وبـ" قل هو الله أحد"، وفي الظهرين بها وبـ"المنافقين"، وفي نوافل النهار بالسور القصار ويسر بها، وفي الليل بالطوال ويجهر بها ، ومع ضيق الوقت يخفف وأن يقرأ " قل يا أيها الكافرون " في المواضع السبعة، ولو بدأ بسورة "التوحيد" جاز. ويقرأ في أوليي صلاة الليل ثلاثين مرة "قل هو الله أحد"، وفي البواقي بطوال السور. ويسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم يبلغ العلو، كذا الشهادتين استحباباً. وإذا مر المصلي بآية رحمة سألها، أو آية نقمة استعاذ منها.ـ"المنافقين"، وفي نوافل النهار بالسور القصار ويسر بها، وفي الليل بالطوال ويجهر بها ، ومع ضيق الوقت يخفف وأن يقرأ " قل يا أيها الكافرون " في المواضع السبعة، ولو بدأ بسورة "التوحيد" جاز. ويقرأ في أوليي صلاة الليل ثلاثين مرة "قل هو الله أحد"، وفي البواقي بطوال السور. ويسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم يبلغ العلو، كذا الشهادتين استحباباً. وإذا مر المصلي بآية رحمة سألها، أو آية نقمة استعاذ منها.
وها هنا مسائل سبع:
الأولى: لا يجوز قول آمين آخر الحمد .
الثانية: الموالاة في القراءة شرط في صحتها، فلو قرأ في خلالها من غيرها أستأنف القراءة، وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت. أما لو سكت في خلال القراءة لا بنية القطع، أو نوى القطع ولم يقطع مضى في صلاته.
الثالثة: "الضحى" و "ألم نشرح" سورة واحدة، وكذا "الفيل" و "لإيلاف" فلا يجوز إفراد إحديهما من صاحبتها في كل ركعة، ولا يفتقر إلى البسملة بينهما.
الرابعة: إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلاً أو ناسياً لم يعد.
الخامسة: يجزيه عوضاً عن الحمد إذا تعذر عليه قراءتها قراءة بسملتها عشر مرات أو اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها: سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ثلاثاً.
السادسة: من قرأ سورة من العزائم في النوافل يجب أن يسجد في موضع السجود وكذا إن قرأ غيره وهو يستمع، ثم ينهض ويقرأ ما تخلف منها ويركع. وإن كان السجود في آخرها يستحب له قراءة الحمد ليركع عن قراءة.
السابعة: المعوذتان من القرآن، ويجوز أن يقرأ بهما في الصلاة فرضها ونفلها.
الخامس: الركوع
وهو واجب في كل ركعة مرة إلا في الكسوف والآيات، وهو ركن في الصلاة، وتبطل بالإخلال به عمداً وسهواً على تفصيل سيأتي، والواجب فيه خمسة أشياء:
الأول: أن ينحني فيه بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه، وإن كانت يداه في الطول بحد تبلغ ركبتيه من غير انحناء انحنى كما ينحني مستوي الخلقة. وإذا لم يتمكن من الانحناء لعارض أتى بما يتمكن منه، فإن عجر أصلاً اقتصر على الإيماء ولو كان كالراكع خلقة أو لعارض وجب أن يزيد لركوعه يسير انحناء ليكون فارقاً.
الثاني: الطمأنينة فيه بقدر ما يؤدي واجب الذكر مع القدرة، ولو كان مريضاً لا يتمكن سقطت منه، كما لو كان العذر في أصل الركوع.
الثالث: رفع الرأس منه، فلا يجوز أن يهوي إلى السجود قبل انتصابه منه، إلا مع العذر، ولو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب.
الرابع: الطمأنينة في الانتصاب، وهو أن يعتدل قائماً ويسكن ولو يسيراً.
الخامس: التسبيح فيه، ويكفي الذكر ولو كان تكبيراً أو تهليلا ًأو حمداً أو شكراً لله. وأقل ما يجزي للمختار تسبيحة واحدة تامة، وهي: سبحان ربي العظيم وبحمده، أو العلي، أو يقول: سبحان الله ثلاثاً، وفي الضرورة واحدة صغرى. ويجب التكبير للركوع.
والمسنون في هذا القسم: أن يكبر للركوع قائماً رافعاً يديه بالتكبير محاذياً بأذنيه، ويرسلهما ثم يركع، وأن يضع يديه على ركبتيه مفرجات الأصابع. ولو كان بأحديهما عذر وضع الأخرى، ويرد ركبتيه إلى خلفه ، ويسوي ظهره، ويمد عنقه موازياً لظهره، وأن يدعو أمام التسبيح، وأن يسبح ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً فما زاد، وأن يرفع الإمام صوته بالذكر فيه، وأن يقول بعد انتصابه: سمع الله لمن حمده، ويدعو بعده. ويكره: أن يركع ويداه تحت ثيابه.
السادس: السجود
وهو واجب في كل ركعة سجدتان، وهما ركن [معاً] في الصلاة، تبطل بالإخلال بهما من
كل ركعة عمداً وسهواً، ولا تبطل بالإخلال بواحدة سهواً.
وواجبات السجود ستة:
الأول: السجود على سبعة أعضاء: الجبهة، والكفان، والركبتان وإبهاما الرجلين.
الثاني: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، فلو سجد على كور العمامة لم يجز.
الثالث: أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع الجبهة موقفه، إلا أن يكون علواً يسيراً بمقدار لبنة لا أزيد. فإن عرض ما يمنع عن ذلك اقتصر على ما يتمكن منه، وإن افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب ، وإن عجز عن ذلك كله أومأ إيماء.
الرابع: الذكر فيه كما قلناه في الركوع، ولكن بدل العظيم والعلي الأعظم والأعلى.
الخامس: الطمأنينة واجبة إلا مع الضرورة المانعة.
السادس: رفع الرأس من السجدة الأولى حتى يعتدل مطمئناً، ويجب التكبير للأخذ فيه والرفع منه.
ويستحب فيه: أن يكبر للسجود قائماً رافعاً يديه أمام وجهه، وأطراف أصابعه قرب أذنيه، والإبهام منتصب إلى منحره وهي صلاة الملائكة. ثم يهوي للسجود سابقاً بيديه إلى الأرض، وأن يكون موضع سجوده مساوياً لموقفه أو أخفض، وأن يرغم بأنفه ويدعو، ويزيد على التسبيحة الواحدة ما تيسر، ويدعو بين السجدتين، وأن يقعد متوركاً، وأن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئناً، ويدعو عند القيام، ويعتمد على يديه سابقاً برفع ركبتيه. ويكره: الاقعاء بين السجدتين.
مسائل ثلاث:
الأولى: من به ما يمنع من وضع الجبهة على الأرض كالدمل إذا لم يستغرق الجبهة يحتفر حفيرة ليقع السليم من جبهته على الأرض، فإن تعذر سجد على أحد الجبينين، فإن كان هناك مانع سجد على ذقنه.
الثانية: سجدات القرآن خمس عشرة، أربع منها واجبة وهي: في سورة "ألم" و "حم السجدة" و "النجم" و "أقرأ باسم ربك"، وإحدى عشرة مسنونة وهي: في "الأعراف" و "الرعد" و "النحل" و "بني إسرائيل" و "مريم" و "الحج" في موضعين، و "الفرقان" و "النمل" و "ص" و "إذا السماء انشقت". والسجود واجب في العزائم الأربع للقارئ والمستمع ويستحب للسامع، وفي البواقي يستحب على كل حال. وليس في شيء من السجدات تكبير ولا تشهد ولا تسليم، ولا يشترط فيها الطهارة، ولا استقبال القبلة، ولو نسيها أتى بها فيما بعد.
الثالثة: سجدتا الشكر مستحبتان عند تجدد النعم، ودفع النقم، وعقيب الصلوات، ويستحب بينهما التعفير.
السابع: التشهد
وهو واجب في كل ثنائية مرة، وفي الثلاثية والرباعية مرتين. ولو أخل بهما أو بأحدهما عامداً بطلت صلاته. والواجب في كل واحد منهما خمسة أشياء: الجلوس بقدر التشهد، والشهادتان، والصلاة على النبي وعلى آله (ع)، وصورتهما: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله ويقول: اللهم صل على محمد وآل محمد. ومن لم يحسن التشهد وجب عليه الإتيان بما يحسن منه مع ضيق الوقت، ثم يجب عليه تعلم ما لا يحسن منه.
ومسنون هذا القسم: أن يجلس متوركاً، وصفته: أن يجلس على وركه الأيسر، ويخرج رجليه جميعاً ، فيجعل ظاهر قدمه الأيسر إلى الأرض، وظاهر قدمه الأيمن إلى باطن الأيسر، وأن يقول ما زاد على الواجب من تحميد ودعاء.
الثامن: التسليم
وهو واجب، ولا يخرج من الصلاة إلا به، وهو أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومسنون هذا القسم: أن يسلم المنفرد إلى القبلة تسليمة واحدة، ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه، والإمام بصفحة وجهه، وكذا المأموم. ثم إن كان على يساره غيره أومى بتسليمة أخرى إلى يساره، بصفحة وجهه أيضاً.
وأما المسنون في الصلاة ، فخمسة:
الأول: الدعاء بعد كل تكبيرتين من التكبيرات الست المضافة إلى تكبيرة الإحرام بأن يكبر ثلاثاً ثم يدعو، ثم يكبر اثنين ثم يدعو، ثم يكبر اثنين ويتوجه والأولى من السبع هي تكبيرة الإحرام فيوقع معها نية الصلاة، ويكون ابتداء الصلاة عندها.
الثاني: القنوت، هو في كل ثانية قبل الركوع وبعد القراءة. ويستحب أن يدعو بالأذكار المروية، وإلا فبما شاء وأقله ثلاثة تسبيحات، كما يستحب أن يقنت بعد الركوع الأخير من كل صلاة، وفي الجمعة قنوتان، في الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع، ولو نسيه قضاه بعد الركوع.
الثالث: شغل النظر في حال قيامه إلى موضع سجوده، وفي حال القنوت إلى باطن كفيه، وفي حال الركوع إلى ما بين رجليه، وفي حال السجود إلى طرف أنفه، وفي حال تشهده إلى حجره، والأفضل أن يكون غاض البصر في الصلاة.
الرابع: شغل اليدين بأن يكونا في حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه، وفي حال القنوت تلقاء وجهه، وفي حال الركوع على ركبتيه، وفي حال السجود بحذاء أذنيه، وفي حال التشهد على فخذيه.
الخامس: التعقيب، وأقله التكبيرات الثلاث ولا تتركها على حال، فهي تمام عشرة الحج وكمال المعرفة، وأفضله تسبيح الزهراء عليها السلام، ثم بما روي من الأدعية، وإلا فبما تيسر.
خاتمة: قواطع الصلاة
قسمان، أحدهما: يبطلها عمداً وسهواً، وهو كل ما يبطل الطهارة سواء دخل تحت الاختيار أو خرج، كالبول والغائط ما شابههما من موجبات الوضـوء، والجنابة والحيض وما
شابههما من موجبات الغسل.
الثاني: لا يبطلها إلا عمداً، وهو: وضع اليمين على الشمال، والالتفات إلى ما وراءه، والكلام بحرفين فصاعداً، والقهقهة، وأن يفعل فعلاً كثيراً ليس من أفعال الصلاة، والبكاء لشيء من أمور الدنيا، والأكل والشرب الكثير أما القليل فلا يضر بالصلاة كالمتبقي في الفم من الطعام، أو شرب الماء في صلاة الوتر لمن أصابه عطش وهو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة، لكن لا يستدبر القبلة. وعقص الشعر للرجل مكروه.
ويكره: الالتفات يميناً وشمالاً، والتثاؤب، والتمطي، والعبث، ونفخ موضع السجود، والتنخم، وأن يبصق، أو يفرقع أصابعه، أو يتأوه، أو يئن بحرف واحد، أو يدافع البول والغائط والريح. وإن كان خفه ضيقاً استحب له نزعه لصلاته.
مسائل أربع:
الأولى: إذا عطس الرجل في الصلاة يستحب له أن يحمد الله، وكذا إن عطس غيره يستحب له تسميته.
الثانية: إذا سلم عليه يجوز أن يرد مثل قوله: سلام عليكم، ولا يقول: وعليكم السلام.
الثالثة: يجوز أن يدعو بكل دعاء يتضمن تسبيحاً أو تحميداً، أو طلب شئ مباح من أمور الدنيا والآخرة، قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، ولا يجوز أن يطلب شيئاً محرماً، ولو فعل وهو يعلم بحرمته بطلت صلاته.
الرابعة: يجوز للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال، أو فرار غريم، أو تردي طفل وما شابه ذلك، ولا يجوز قطع صلاته اختياراً.
* * *
الركن الثالث : في بقية الصلوات
وفيه فصول:
الأول: في صلاة الجمعة
والنظر في: الجمعة، ومن تجب عليه، وآدابها.
الأول: الجمعة.
ركعتان كالصبح يسقط معهما الظهر، ويستحب فيهما الجهر. وتجب بزوال الشمس ويمتد وقتها بامتداد وقت الظهر، ولو خرج الوقت - وهو فيها - أتم جمعة إماماً كان أو مأموماً. وتفوت الجمعة بفوات الوقت، ثم لا تقضى جمعة، وإنما تقضى ظهراً. ولو وجبت الجمعة فصلى الظهر وجب عليه السعي لذلك، فإن أدركها وإلا أعاد الظهر ولم يجتزئ بالأول. ولو تيقن أن الوقت يتسع للخطبة وركعتين خفيفتين وجبت الجمعة، وإن تيقن أو غلب على ظنه أن الوقت لا يتسع لذلك فقد فاتت الجمعة ويصلي ظهراً. فأما لو لم يحضر الخطبة في أول الصلاة وأدرك مع الإمام ركعة صلى جمعة، وكذا لو أدرك الإمام راكعاً في الثانية. ولو كبر وركع ثم شك هل كان الإمام راكعاً أو رافعاً لم يكن له جمعة، وصلى الظهر.
ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط:
الأول: السلطان العادل (الإمام المعصوم (ع)) أو من نصبه، فلو مات الإمام في أثناء الصلاة لم تبطل الجمعة، وجاز أن تقدم الجماعة من يتم بهم الصلاة. وكذا لو عرض للمنصوب ما يبطل الصلاة من إغماء أو جنون أو حدث.
الثاني: العدد، وهو خمسة الإمام أحدهم. ولو انفضوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب، وإن دخلوا في الصلاة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلا واحد.
الثالث: الخطبتان، ويجب في كل واحد منهما: الحمد لله، والصلاة على النبي وآله (ع)، والوعظ، وقراءة سورة خفيفة أو آية واحدة.
وعنهم (ع): يحمد الله ويثني عليه، ثم يوصي بتقوى الله، ويقرأ سورة خفيفة من القرآن، ثم يجلس، ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي وآله وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات. ويجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرغ زالت. ويجب أن تكون الخطبة مقدمة على الصلاة، فلو بدأ بالصلاة لم تصح الجمعة. ويجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراده مع القدرة، ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة، وتجب فيهما الطهارة على الإمام دون المأمومين، ولو أحدث في الخطبة تطهر وبنى. ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعداً.
الرابع: الجماعة، فلا تصح فرادى، وإذا حضر الإمام الأصل (المعصوم) وجب عليه الحضور والتقدم، وإن منعه مانع جاز أن يستنيب.
الخامس: أن لا يكون هناك جمعة أخرى وبينهما دون (5.5كم)، فإن اتفقتا بطلتا، وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخرة، ولو لم يتحقق السابقة أعادا ظهراً.
الثاني: فيمن يجب عليه.
ويراعى فيه شروط سبعة: التكليف، والذكورة، والحرية، والحضر، والسلامة من العمى والمرض والعرج، وأن لا يكون هماً ولا بينه وبين الجمعة أزيد من (11كم). وكل هؤلاء إذا تكلفوا الحضور وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم، سوى من خرج عن التكليف. ولو حضر الكافر لم تصح منه ولم تنعقد به وإن كانت واجبه عليه. وتجب الجمعة على أهل السواد، كما تجب على أهل المدن مع استكمال الشروط، وكذا على الساكن بالخيم كأهل البادية إذا كانوا قاطنين.
وها هنا مسائل:
الأولى: من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة، ولو هاياه مولاه لم تجب عليه الجمعة، ولو اتفقت في يوم نفسه. كذا المكاتب والمدبر.
الثانية: من سقطت عنه الجمعة يجوز أن يصلي الظهر في أول وقتها، ولا يجب عليه تأخيرها حتى تفوت الجمعة، بل لا يستحب إلا إذا ظن أنه سيحضرها. ولو حضر الجمعة بعد ذلك وجبت عليه.
الثالثة: إذا زالت الشمس لم يجز السفر لتعيين الجمعة، ويكره بعد طلوع الفجر.
الرابعة: الإصغاء إلى الخطبة واجب، وكذا يحرم الكلام في أثنائها، لكن ليس بمبطل للجمعة.
الخامسة: يعتبر في إمام الجمعة: كمال العقل، والإيمان، والعدالة، وطهارة المولد، والذكورة إذا كان في المأمومين رجال. ويجوز أن يكون عبداً، و يجوز أن يكون أبرص وأجذم، وكذا الأعمى بل وأصم وأبكم إذا كان يصلي بصم بكم، ويخطب بالإشارة، ولا يجب عندها حضور غيرهم.
السادسة : المسافر إذا نوى الإقامة في بلد عشرة أيام فصاعداً وجبت عليه الجمعة وكذا إذا لم ينوِ الإقامة ومضى عليه ثلاثون يوماً في مصر واحد.
السابعة : الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة.
الثامنة: يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان، فإن باع أثم وكان البيع صحيحاً. ولو كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي كان البيع سائغاً بالنظر إليه، وحراماً بالنظر إلى الآخر.
التاسعة: إذا لم يكن الإمام موجوداً ولا من نصبه للصلاة وأمكن الاجتماع يستحب أن يصلي جمعة.
العاشرة: إذا لم يتمكن المأموم من السجود مع الإمام الأولى لشدة الزحام مثلاً، فإن أمكنه السجود والالتحاق به قبل الركوع (ركوع الإمام في الثانية) صح، وإلا اقتصر على متابعته في السجدتين (الإمام يسجد سجدتي الثانية وهو يسجد سجدتي الأولى)، فإن نوى بهما الثانية جهلاً أو سهواً لا يضره، ويتم الثانية.
وإما آداب الجمعة : فالغسل، والتنفل بعشرين ركعة: ست عند انبساط الشمس وست عند ارتفاعها، وست قبل الزوال، وركعتان عند الزوال. ولو أخر النافلة إلى بعد الزوال جاز، وأفضل من ذلك تقديمها. وإن صلى بين الفريضتين ست ركعات من النافلة جاز. وأن يباكر المصلي إلى المسجد الأعظم بعد أن يحلق رأسه ويقص أظفاره ، ويأخذ من شاربه، وأن يكون على سكينة ووقار، متطيباً لابساً أفضل ثيابه، وأن يدعو أمام توجهه، وأن يكون الخطيب بليغاً مواظباً على الصلوات في أول أوقاتها.
ويكره له: الكلام في أثناء الخطبة بغيرها، ويستحب له: أن يتعمم شاتياً كان أو قائضاً، ويرتدي ببرد يمنية ، وأن يكون معتمداً على شئ، وأن يسلم أولاً، وأن يجلس أمام الخطبة، وإذا سبق الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى "الجمعة" وكذا في الثانية يعدل إلى سورة "المنافقين" ما لم يتجاوز نصف السورة، إلا في سورة "الجحد" و "التوحيد". ويستحب الجهر بالظهر في يوم الجمعة، ومن يصلي ظهراً فالأفضل إيقاعها في المسجد الأعظم. وإذا لم يكن إمام الجمعة ممن يقتدى به جاز أن يقدم المأموم صلاته على الإمام، ولو صلى معه ركعتين وأتمهما بعد تسليم الإمام ظهراً كان أفضل.
الفصل الثاني: في صلاة العيدين
والنظر: فيها، وفي سننها.
وهي واجبة مع وجود الإمام (ع) بالشروط المعتبرة في الجمعة. وتجب جماعة، ولا يجوز التخلف إلا مع العذر، فيجوز حينئذ أن يصلي منفرداً ندباً. ولو اختلت الشرائط سقط الوجوب، واستحب الإتيان بها جماعة وفرادى. ووقتها: ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، ولو فاتت لم تقض. وكيفيتها: أن يكبر للإحرام بالسبع، ثم يقرأ "الحمد" وسورة، والأفضل أن يقرأ " الأعلى " ، ثم يكبر بعد القراءة ويقنت بالمرسوم حتى يتم خمساً ، ثم يكبر ويركع، فإذا سجد السجدتين: قام فيقرأ "الحمد" و سورة، والأفضل أن يقرأ "الغاشية"، ثم يكبر أربعاً ويقنت بينها أربعاً، ثم يكبر خامسة للركوع ويركع، فيكون الزائد عن المعتاد تسعاً: خمس في الأولى، وأربع في الثانية غير تكبيرة الإحرام والتكبيرات الست، وتكبيرتي الركوعين، وتكبيرات السجود.
وسنن هذه الصلاة: الإصحار بها إلا بمكة، والسجود على الأرض، وأن يقول المؤذنون: الصلاة ثلاثاً، فإنه لا أذان لغير الخمس. وأن يخرج الإمام حافياً، ماشياً على سكينة ووقار، ذاكراً لله سبحانه. وأن يطعم قبل خروجه في الفطر، وبعد عوده في الأضحى مما يضحي به. وأن يكبر في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب ليلة الفطر، وآخرها صلاة العيد . وفي الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة، أولها الظهر يوم النحر لمن كان بمنى ، وفي الأمصار عقيب عشر يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا، ويزيد في الأضحى: ورزقنا من بهيمة الأنعام، ويكره الخروج بالسلاح. وأن ينفل قبل الصلاة أو بعدها إلا بمسجد النبي (ص) بالمدينة، فإنه يصلي ركعتين قبل خروجه.
مسائل خمس:
الأولى: التكبير الزائد في صلاة العيد واجب و القنوت واجب، ولكن لا يتعين فيه لفظ بل يدعو بما يشاء والأفضل: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أن علياً والأئمة من ولده حجج الله، وأشهد أن المهدي والمهديين من ولده حجج الله، اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل العفو والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة ، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمد (ص) ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً أن تصلي على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك، وصل على ملائكتك ورسلك، واغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المرسلون).
الثانية: إذا اتفق عيد وجمعة، فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة، وعلى الإمام أن يعلمهم ذلك في خطبته.
الثالثة: الخطبتان في العيدين بعد الصلاة وتقديمهما بدعة، ويجب استماعهما.
الرابعة: لا ينقل المنبر عن الجامع، بل يعمل شبه المنبر من طين استحباباً.
الخامسة: إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي صلاة العيد إن كان ممن تجب عليه، ويجوز خروجه بعد الفجر و قبل طلوعها وهو مكروه.
الفصل الثالث: في صلاة الكسوف (الآيات)
والكلام في: سببها، وكيفيتها، وحكمها.
أما الأول: فتجب عند كسوف الشمس، وخسوف القمر، والزلزلة، و تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة، وغير ذلك من أخاويف السماء. ووقتها في الكسوف: من حين ابتدائه إلى حين انجلائه، فإن لم يتسع لها لم تجب. وكذا الرياح والأخاويف. وفي الزلزلة تجب وإن لم يطل المكث، ويصلي بنية الأداء وإن سكنت. ومن لم يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت لم يجب القضاء، إلا أن يكون القرص قد احترق كله، وفي غير الكسوف لا يجب القضاء، ومع العلم والتفريط أو النسيان يجب القضاء في الجميع.
وأما كيفيتها: فهو أن يحرم بالسبع (الأولى تكبيرة الإحرام وتليها ست تكبيرات واجبة)، ثم يقرأ "الحمد" وسورة، ثم يركع، ثم يرفع رأسه، فإن كان لم يتم السورة قرأ من حيث قطع، وإن كان أتم قرأ "الحمد" ثانياً، ثم قرأ سورة حتى يتم خمساً على هذا الترتيب، ثم يركع ويسجد اثنتين. ثم يقوم ويقرأ "الحمد" وسورة معتمداً بترتيبه الأول، [ويسجد اثنتين]، ويتشهد، ويسلم.
ويستحب فيها: الجماعة، وإطالة الصلاة بمقدار زمان الكسوف، وأن يعيد الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء، وأن يكون مقدار ركوعه بمقدار زمان قراءته، وأن يقرأ السور الطوال مع سعة الوقت، وأن يكبر عند كل رفع [رأس] من كل ركوع إلا في الخامس والعاشر، فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وأن يقنت خمس قنوتات.
وأما حكمها، فمسائله ثلاث:
الأولى: إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة كان مخيراً في الإتيان بأيهما شاء، ما لم تتضيق الحاضرة فتكون أولى.
الثانية: إذا اتفق الكسوف (خسوف القمر) في وقت نافلة الليل، فالكسوف أولى ولو خرج وقت النافلة، ثم يقضي النافلة.
الثالثة: يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشياً إذا اضطر لذلك.
الفصل الرابع: في الصلاة على الأموات
وفيه أقسام:
الأول: من يصلي عليه.
وهو كل من كان مظهراً للشهادتين، أو طفلاً له ست سنين ممن له حكم الإسلام، ويتساوى في ذلك الذكر والأنثى، والحر والعبد. ويستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك إذا ولد حياً، فإن وقع سقطاً لم يصل عليه ولو ولجته الروح.
الثاني: في المصلي.
وأحق الناس بالصلاة عليه أولاهم بميراثه، والأب أولى من الابن، وكذا الولد أولى من الجد والأخ والعم، والأخ من الأب والأم أولى ممن ينتسب بأحدهما، والزوج أولى بالمرأة من عصباتها وإن قربوا. وإذا كان الأولياء جماعة فالذكر أولى من الأنثى، والحر أولى من العبد، ولا يتقدم الولي إلا إذا استكملت فيه شرائط الإمامة وإلا قدم غيره. وإذا تساوى الأولياء قدم الأفقه فالأتقى، ولا يجوز أن يتقدم أحد إلا بإذن الولي سواء كان بشرائط الإمامة، أو لم يكن بعد أن يكون مكلفاً. والإمام الأصل أولى بالصلاة من كل أحد، والهاشمي أولى من غيره إذا قدمه الولي وكان بشرائط الإمامة. ويجوز أن تؤم المرأة بالنساء ويكره أن تبرز عنهن، بل تقف في صفهن، وكذا الرجال العراة. وغيرهما من الأئمة يبرز أمام الصف ولو كان المؤتم واحداً. وإذا اقتدت النساء بالرجل وقفن خلفه، وإن كان وراءه رجال وقفن خلفهم، وإن كان فيهن حائض انفردت عن صفهن استحباباً.
الثالث: في كيفية الصلاة.
وهي خمس تكبيرات، والدعاء بينهم غير لازم بل مستحب، وأفضل ما يقال: ما رواه محمد بن مهاجر عن أمه - أم سلمة - عن أبي عبد الله (ع) قال: كان رسول الله (ص) إذا صلى على ميت كبر وتشهد، ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا، ثم كبر ودعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة ودعا للميت، ثم كبر [الخامسة] وانصرف. وإن كان منافقاً اقتصر المصلي على أربع وانصرف بالرابعة، أو يدعي عليه في الرابعة وينصرف في الخامسة وتجب فيها: النية، واستقبال القبلة، وجعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي. وليست الطهارة من شرائطها. ولا يجوز التباعد عن الجنازة كثيراً، ولا يصلي على الميت إلا بعد تغسيله وتكفينه، فإن لم يكن له كفن جعل في القبر وسترت عورته، وصلي عليه بعد ذلك.
وسنن الصلاة: أن يقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة، وإن اتفقا جعل الرجل مما يلي الإمام والمرأة وراءه، ويجعل صدرها محاذياً لوسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة، ولو كان طفلاً جعل من وراء المرأة. وأن يكون المصلي متطهراً وينزع نعليه، ويرفع يديه في أول تكبيرة وفي البواقي. ويستحب عقيب الرابعة أن يدعو له إن كان مؤمناً، وعليه إن كان منافقاً، وبدعاء المستضعفين إن كان كذلك، وإن جهله سأل الله أن يحشره مع من كان يتولاه، وإن كان طفلاً سأل الله أن يجعله مصلحاً لحال أبيه شافعاً فيه. وإذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتى ترفع الجنازة، وأن يصلي على الجنازة في المواضع المعتادة، ولو صلى في المساجد جاز. ويكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين.
مسائل خمس:
الأولى: من أدرك الإمام في أثناء صلاته تابعه، فإذا فرغ أتم ما بقي عليه ولاء، ولو رفعت الجنازة أو دفنت أتم ولو على القبر.
الثانية: إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد أعادها مع الإمام.
الثالثة: من لم يصل على جنازته يجوز أن يصلى على قبره في أي وقت ولو بعد مدة طويلة ولا تترك الصلاة على مؤمن.
الرابعة: الأوقات كلها صالحة لصلاة الجنازة، إلا عند تضيق وقت فريضة حاضرة. ولو خيف على الميت - مع سعة الوقت - قدمت الصلاة عليه.
الخامسة: إذا صلى على جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخرى كان مخيراً، إن شاء استأنف الصلاة عليهما، وإن شاء أتم الأولى على الأول واستأنف للثاني.
الفصل الخامس: في الصلوات المرغبات
وهي قسمان: النوافل اليومية وقد ذكرناها، وما عدا ذلك فهو ينقسم على قسمين:
فمنها: ما لا يخصّ وقتا بعينه: وهذا القسم كثير، غير إنا نذكر مهمه وهو صلوات:
الأولى: صلاة الاستسقاء وهي مستحبة عند غور الأنهار وفتور الأمطار، وكيفيتها مثل كيفية صلاة العيد، غير أنه يجعل مواضع القنوت في العيد استعطاف الله سبحانه وسؤاله الرحمة بإرسال الغيث، ويتخير من الأدعية ما تيسر له، وإلا فليقل ما نقل في أخبار أهل البيت (ع).
ومسنونات هذه الصلاة: أن يصوم الناس ثلاثة أيام، ويكون خروجهم يوم الثالث، ويستحب أن يكون ذلك الثالث الاثنين، فإن لم يتيسر فالجمعة. وأن يخرجوا إلى الصحراء حفاة على سكينة ووقار، ولا يصلوا في المساجد، وأن يخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز ولا يخرجوا ذمياً، ويفرقوا بين الأطفال وأمهاتهم. فإذا فرغ الإمام من صلاته حول رداءه، ثم استقبل القبلة، وكبر مئة، رافعاً بها صوته، وسبح الله إلى يمينه كذلك، وهلل عن يساره مثل ذلك، واستقبل الناس، وحمد الله مئة، وهم يتابعونه في كل ذلك، ثم يخطب ويبالغ في تضرعاته، فإن تأخرت الإجابة كرروا الخروج حتى تدركهم الرحمة. وكما تجوز هذه الصلاة عند قلة الأمطار، فإنها تجوز عند جفاف مياه العيون والآبار.
الثانية: صلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة، وصلاة الشكر، وصلاة الزيارة.
ومنها: ما يخصّ وقتا معيناً، وهي صلوات [خمس]:
الأولى: نافلة شهر رمضان، وفي الروايات: استحباب ألف ركعة في شهر رمضان زيادة على النوافل المرتبة، يصلي في كل ليلة عشرين ركعة: ثمان بعد المغرب، واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء، وفي كل ليلة من العشر الأواخر ثلاثين على الترتيب المذكور، وفي ليالي الإفراد الثلاث في كل ليلة مئة ركعة. وإن اقتصر في ليالي الإفراد على المئة حسب، فيبقى عليه ثمانون يصلي في كل جمعة عشر ركعات بصلاة علي وفاطمة وجعفر (ع)، وفي آخر جمعة عشرين ركعة بصلاة علي (ع)، وفي عشية تلك الجمعة عشرين ركعة بصلاة فاطمة (ع)، وصلاة أمير المؤمنين (ع): أربع ركعات بتشهدين وتسليمين، يقرأ في كل ركعة: "الحمد" مرة، وخمسين مرة "قل هو الله أحد". وصلاة فاطمة (ع): ركعتان ، يقرأ في الأولى: "الحمد" مرة و "القدر" مئة مرة، وفي الثانية بـ"الحمد" مرة وسورة "التوحيد" مئة مرة. وصلاة جعفر (ع): أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في الأولى: "الحمد" مرة و "إذا زلزلت" مرة، ثم يقول خمس عشرة مرة: "سبحان الله والحمد لله ولا إله الله والله أكبر"، ثم يركع ويقولها عشراً، وهكذا يقولها عشراً بعد رفع رأسه، وفي سجوده ورفعه، وفي سجوده ثانياً، وبعد الرفع منه، فيكون في كل ركعة خمس وسبعون مرة. ويقرأ في الثانية: "والعاديات"، وفي الثالثة: "إذا جاء نصر الله والفتح"، وفي الرابعة: "قل هو الله أحد". ويستحب أن يدعو في آخر سجدة بالدعاء المخصوص بها.
الثانية: صلاة ليلة الفطر وهي ركعتان، يقرأ في الأولى: "الحمد" مرة و "قل هو الله أحد" ألف مرة، وفي الثانية "الحمد" مرة و "قل هو الله أحد" مرة.
الثالثة: صلاة يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة قبل الزوال بنصف ساعة.
الرابعة: صلاة ليلة النصف من شعبان.
الخامسة: صلاة ليلة المبعث ويومه، وتفصيل هذه الصلوات وما يقال فيها وبعدها مذكور في كتب العبادات.
خاتمة:
كل النوافل يجوز أن يصليها الإنسان قاعداً وقائماً أفضل، وإن جعل كل ركعتين من جلوس مقام ركعة كان أفضل.
* * *
الركن الرابع : وفيه فصول
الفصل الأول: في الخلل الواقع في الصلاة
وهو: إما عن عمد، أو سهو، أو شك.
أما العمد:
فمن أخل بشيء من واجبات الصلاة عامداً فقد أبطل صلاته شرطاً كان ما أخل به، أو جزءاً منها، أو كيفية، أو تركاً. وكذا لو فعل ما يجب تركه، أو ترك ما يجب فعله جهلاً بوجوبه، إلا الجهر والاخفات في مواضعهما. ولو جهل غصبية الثوب الذي يصلي فيه، أو المكان، أو نجاسة الثوب، أو البدن، أو موضع السجود فلا إعادة.
فروع:
الأول: إذا توضأ بماء مغصوب مع العلم بالغصبية وصلى أعاد الطهارة والصلاة، ولو جهل غصبيته لم يعد أحديهما.
الثاني: إذا لم يعلم أنّ الجلد ميتة فصلى فيه ثم علم لم يعد إذا كان في يد مسلم، أو شراه من سوق المسلمين، فإن أخذه من غير مسلم أو وجده مطروحاً أعاد.
الثالث: إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلي فيه وصلى أعاد.
وأما السهو:
فإن أخل بركن أعاد كمن أخل بالقيام حتى نوى، أو بالنية حتى كبر، أو بالتكبير حتى قرأ، أو بالركوع حتى سجد، أو بالسجدتين حتى ركع فيما بعد. وكذا لو زاد في الصلاة ركعة، أو ركوعاً، أو سجدتين أعاد سهواً وعمداً. لو شك في الركوع فركع، ثم ذكر أنه كان قد ركع بطلت صلاته. وإن نقص ركعة فإن ذكر قبل فعل ما يبطل الصلاة أتم ولو كانت ثنائية، وإن ذكر بعد أن فعل ما يبطلها عمداً أو سهواً أعاد، وإن كان يبطلها عمداً لا سهواً كالكلام يتم صلاته وعليه سجدتي السهو. ولو ترك التسليم ثم ذكر سلم وصحت صلاته وإن فعل ما يبطل الصلاة عمداً أو سهواً. ولو ترك سجدتين ولم يدر أهما من ركعتين أو ركعة أعاد صلاته، ولو كانتا من ركعتين ولم يدر أيتهما هي لا إعادة عليه ويقضيهما، وعليه سجدتا السهو.
وإن أخل بواجب غير ركن، فمنه ما يتم معه الصلاة من غير تدارك، ومنه ما يتدارك من غير سجود، ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو.
فالأول: من نسي القراءة، أو الجهر أو الإخفات في مواضعهما، أو قراءة "الحمد"، أو قراءة السورة حتى ركع، أو الذكر في الركوع، أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه، أو رفع الرأس، أو الطمأنينة فيه حتى سجد، أو الذكر في السجود، أو السجود على الأعضاء السبعة، أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه، أو رفع رأسه من السجود، أو الطمأنينة فيه حتى سجد ثانياً، أو الذكر في السجود الثاني، أو السجود على الأعضاء السبعة، أو الطمأنينة فيه حتى رفع رأسه منه.
الثاني: من نسي قراءة "الحمد" حتى قرأ سورة استأنف "الحمد" وسورة، وكذا لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد قام فركع ثم سجد، وكذا من ترك السجدتين أو إحديهما أو التشهد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه، ثم قام فأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثم ركع، ولا تجب في هذين الموضعين سجدتا السهو. ولو ترك الصلاة على النبي وعلى آله (ع) حتى سلم قضاهما بعد التسليم.
الثالث: من ترك سجدة أو التشهد ولم يذكر حتى يركع قضاهما أو أحدهما، وسجد سجدتي السهو.
وأما الشك، ففيه مسائل:
الأولى: من شك في عدد الواجبة الثنائية أعاد كالصبح، وصلاة السفر، وصلاة العيدين إذا كانت فريضة، والكسوف، وكذا المغرب.
الثانية: إذا شك في شئ من أفعال الصلاة ثم ذكر، فإن كان في موضعه أتى به وأتم، وإن انتقل مضى في صلاته، سواء كان ذلك الفعل ركناً أو غيره، وسواء كان في الأوليين أو الأخريين.
تفريع: إذا تحققت نية الصلاة وشك هل نوى ظهراً أو عصراً مثلاً، أو فرضاً أو نفلاً استأنف.
الثالثة: إذا شك في أعداد الرباعية فإن كان في الأوليين أعاد، وكذا إذا لم يدر كم صلى. وإن تيقن الأوليين وشك في الزائد وجب عليه الاحتياط.
ومسائله أربع:
الأولى: من شك بين الاثنين والثلاث بنى على الثلاث وأتم، وتشهد وسلم، ثم استأنف ركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس.
الثانية: من شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع، وتشهد وسلم، واحتاط كالأولى.
الثالثة: من شك بين الاثنين والأربع بنى على الأربع، وتشهد وسلم، ثم أتى بركعتين من قيام.
الرابعة: من شك بين الاثنين والثلاث والأربع بنى على الأربع، وتشهد وسلم، ثم أتى بركعتين من قيام، وركعتين من جلوس. والأفضل في كل هذه الصور وغيرها أن يبني على الأقل فإن كان أقل من أربع أتم صلاته وسلم وسجد سجدتي السهو، وإن كان أربع سلم وسجد سجدتي السهو، وإن كان في الرابعة أتمها وسلم وسجد سجدتي السهو.
وها هنا مسائل:
الأولى: لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى على الظن وكان كالعلم.
الثانية: يتعين في صلاة الاحتياط قراءة "الفاتحة".
الثالثة: لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط تبطل صلاته.
الرابعة: من سها في سهو لم يلتفت وبنى على صلاته، وكذا إذا سها المأموم عول على صلاة الإمام. ولا شك على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه، ولا حكم للسهو مع كثرته. ويرجع في الكثرة إلى ما يسمى في العادة كثيراً، ومن شك مرة في يومه فهو كثير الشك.
الخامسة : من شك في عدد النافلة بنى على الأكثر، وإن بنى على الأقل كان أفضل.
خاتمة: في سجدتي السهو
وهما واجبتان حيث ذكرناه، وفي من تكلم ساهياً، أو سلم في غير موضعه، أو شك بين الأربع والخمس. ويسجد المأموم مع الإمام واجباً إذا عرض له السبب. ولو انفرد أحدهما كان له حكم نفسه. وموضعهما: بعد التسليم للزيادة والنقصان، وصورتهما: أن [ينوي، ثم] يكبر مستحباً ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه ثم يسجد، ثم يرفع رأسه ويتشهد تشهداً خفيفاً ثم يسلم. ولا يجب فيهما الذكر بل يستحب. ولو أهملهما عمداً لم يبطل الصلاة، وعليه الإتيان بهما ولو طالت المدة .
الفصل الثاني: في قضاء الصلوات
والكلام في: سبب الفوات، والقضاء ولواحقه.
أما السبب: فمنه ما يسقط معه القضاء وهو سبعة: الصغر، والجنون، والإغماء والحيض، والنفاس ، والكفر الأصلي ، وعدم التمكن من فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم. وما عداه يجب معه القضاء كالإخلال بالفريضة عمداً أو سهواً عدا الجمعة والعيدين، وكذا النوم ولو استوعب الوقت. ولو زال عقل المكلف بشيء من قبله كالسكر وشرب المرقد وجب القضاء، لأنه سبب في زوال العقل غالباً. ولو أكل غذاء مؤذياً فآل إلى الإغماء لم يقض، وإذا ارتد المسلم أو أسلم الكافر ثم كفر وجب عليه قضاء زمان ردته.
وأما القضاء: فإنه يجب قضاء الفائتة إذا كانت واجبة، ويستحب إذا كان نافلة مؤقتة استحباباً مؤكداً وإن فاتت لمرض لا يزيل العقل. ويستحب أن يتصدق عن كل ركعتين بمد، فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمد. ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيق وقت حاضرة، بترتيب السابقة على اللاحقة كالظهر على العصر، والعصر على المغرب، والمغرب على العشاء، سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت، فإن فاتته صلوات لم تترتب على الحاضرة لم يجب تقديمها. ولو كان عليه صلاة فنسيها وصلى الحاضرة لم يعد، ولو ذكر في أثنائها عدل إلى السابقة، ولو صلى الحاضرة مع الذكر أعاد. ولو دخل في نافلة وذكر في أثنائها أن عليه فريضة استأنف الفريضة. ويقضي صلاة السفر قصراً ولو في الحضر، وصلاة الحضر تماماً ولو في السفر.
وأما اللواحق، فمسائل:
الأولى: من فاتته فريضة من الخمس غير معينة قضى صبحاً ومغرباً وأربعاً عما في ذمته. ولو فاتته من ذلك مرات لا يعلمها قضى حتى يغلب على ظنه أنه وفى.
الثانية: إذا فاتته صلاة معينة ولم يعلم كم مرة كرر من تلك الصلاة حتى يغلب عنده الوفاء، ولو فاتته صلوات لا يعلم كميتها ولا عينها صلى أياماً متوالية حتى يعلم أن الواجب دخل في الجملة.
الثالثة: من ترك الصلاة مُستحلاً قُتِل إن كان وُلِدَ مسلماً، وأُستُتيب إن كان أسلم عن كفر. فإن امتنع قُتِل، فإن أدعى الشبهة المحتملة درأ عنه الحد. وإن لم يكن مُستحلاً عُزِر، فإن عاد ثانية عُزِر، فإن عاد ثالثة عُزِر، فإن عاد رابعة قتل.
الفصل الثالث: في الجماعة
والنظر في أطراف:
الأول: الجماعة مستحبة في الفرائض كلها.
وتتأكد في الصلوات المرتبة. ولا تجب إلا في الجمعة والعيدين مع الشرائط. ولا تجوز في شئ من النوافل عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال شرائط الوجوب. وتدرك الصلاة جماعة بإدراك الركوع، وبإدراك الإمام راكعاً. وأقل ما تنعقد باثنين الإمام أحدهما. ولا تصح مع حائل بين الإمام والمأموم يمنع المشاهدة، إلا أن يكون المأموم امرأة. ولا تنعقد والإمام أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية، ويجوز أن يقف على علو من أرض منحدرة، ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزاً. ولا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيراً في العادة (أكثر من متر بين المأموم والإمام)، إذا لم تكن بينهما صفوف متصلة، أما إذا توالت الصفوف فلا بأس.
ويكره: أن يقرأ المأموم خلف الإمام، إلا إذا كانت الصلاة جهرية ثم لا يسمع ولا همهمة، ولو كان الإمام ممن لا يقتدى به وجبت القراءة.
وتجب متابعة الإمام، فلو رفع المأموم رأسه جاهلاً حال الإمام عاد للمتابعة، وإن كان ناسياً عاد للمتابعة. وكذا لو هوى إلى الركوع أو السجود قبل الإمام ظاناً أن الإمام قد هوى عاد وتابع الإمام، أما إذا قصد الركوع قبل الإمام مع علمه بحال الإمام فهو إن كان نوى الانفراد أتم صلاته منفرداً، وإلا بطلت صلاته. ولا يجوز أن يقف المأموم قدام الإمام. ولابد من نية الائتمام والقصد إلى إمام معين، فلو كان بين يديه اثنان، فنوى الائتمام بهما أو بأحدهما ولم يعين لم تنعقد. ولو صلى اثنان فقال كل واحد منهما: كنت إماماً صحت صلاتهما، ولو قال: كنت مأموماً لم تصح صلاتهما، وكذا لو شكّا فيما أضمراه. ويجوز أن يأتم المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان، والمتنفل بالمفترض والمتنفل، والمفترض بالمتنفل في أماكن.
ويستحب: أن يقف المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلاً واحداً، وخلفه إن كانوا جماعة أو امرأة. ولو كان الإمام امرأة وقف النساء إلى جانبيها. وكذا إذا صلى العاري بالعرات جلس وجلسوا عن سمته، لا يبرز إلا بركبتيه. ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلي تلك الصلاة جماعة، إماماً كان أو مأموماً، وأن يسبح حتى يركع الإمام إذا أكمل القراءة قبله، وأن يكون في الصف الأول أهل الفضل، ويكره تمكين الصبيان منه. ويكره أن يقف المأموم وحده إلا أن تمتلئ الصفوف، وأن يصلي المأموم نافلة إذا أقيمت الصلاة. ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، والأفضل بعد تمام الشهادة.
الطرف الثاني:
يعتبر في الإمام: الإيمان، والعدالة، والعقل، وطهارة المولد، والبلوغ إذا كان المأموم بالغاً مفترضاً، وأن لا يكون قاعداً بقائم، ولا أمياً بمن ليس كذلك، ولا يشترط الحرية. ويشترط الذكورة إذا كان المأمومون ذكراناً، أو ذكراناً وإناثاً. ويجوز أن تؤم المرأة النساء فقط، وكذا الخنثى الخنثى فقط، ولا تؤم المرأة رجلاً ولا خنثى.
ولو كان الإمام يلحن في القراءة بحيث يتغير المعنى أو لا يفهم لم تجز إمامته بمتقن، وكذا من يبدل الحرف كالتمتام وشبهه. ولا يشترط أن ينوي الإمام الإمامة. وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولى بالتقدم، والهاشمي أولى من غيره إذا كان بشرائط الإمامة. وإذا تشاح الأئمة فمن قدمه المأمومون فهو أولى، فإن اختلفوا قدم الأفقه فالأتقى. ويستحب للإمام أن يُسمِع من خلفه الشهادتين. وإذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم بهم الصلاة، وكذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز له أن يستنيب، ولو فعل ذلك اختياراً جاز أيضاً.
ويكره أن يأتم حاضر بمسافر، وأن يستناب المسبوق، وأن يؤم الأجذم والأبرص والمحدود بعد توبته والأغلف، وإمامة من يكرهه المأموم، وأن يؤم الأعرابي بالمهاجرين، والمتيمم بالمتطهرين.
الطرف الثالث: في أحكام الجماعة. وفيه مسائل:
الأولى: إذا ثبت أن الإمام فاسق أو كافر أو على غير طهارة بعد الصلاة لم تبطل صلاة المؤتم به، ولو كان عالماً أعاد، ولو علم في أثناء الصلاة ينوي الانفراد ويتم.
الثانية: إذا دخل والإمام راكع وخاف فوت الركوع ركع، ويجوز أن يمشي في ركوعه حتى يلحق بالصف.
الثالثة: إذا اجتمع خنثى وامرأة وقف الخنثى خلف الإمام، والمرأة وراءه وجوباً.
الرابعة: إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ماضية دون صلاة من إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه، وتجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف الأول، لأنهم يشاهدون من يشاهده.
الخامسة: لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بغير عذر ، فإن نوى الانفراد جاز .
السادسة: الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفي سفن عدة، سواء اتصلت السفن أو انفصلت.
السابعة: إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إن خشي الفوات وإلا أتم ركعتين استحباباً، وإن كانت فريضة نقل نيته إلى النفل على الأفضل وأتم ركعتين، ولو كان إمام الأصل قطعها واستأنف معه.
الثامنة: إذا فاته مع الإمام شئ صلى ما يدركه وجعله أول صلاته، وأتم ما بقي عليه. ولو أدركه في الرابعة دخل معه، فإذا سلم قام فصلى ما بقي عليه، ويقرأ في الثانية له بـ "الحمد" وسورة، وفي الاثنتين الأخيرتين بـ"الحمد".
التاسعة: إذا أدرك الإمام بعد رفعه من الأخيرة كبر وسجد معه، فإذا سلم قام فاستقبل صلاته ولا يحتاج إلى استئناف تكبير. ولو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة كبر وجلس معه، فإذا سلم قام فاستقبل صلاته، ولا يحتاج إلى استئناف تكبير.
العاشرة : يجوز أن يسلم المأموم قبل الإمام وينصرف لضرورة وجماعته صحيحة.
الحادية عشرة: إذا وقف النساء في الصف الأخير فجاء رجال وجب أن يتأخرن إذا لم يكن للرجال موقف أمامهن.
الثانية عشرة: إذا استنيب المسبوق، فإذا انتهت صلاة المأموم أومأ إليهم ليسلموا، ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه.
خاتمة : في ما يتعلق بالمساجد
يستحب اتخاذ المساجد مكشوفة غير مسقفة إلا بالحصر عريش كعريش موسى (ع) وأن تكون الميضاة على أبوابها، وأن تكون المنارة مع حائطها لا في وسطها، وأن يقدم الداخل إليها رجله اليمنى، والخارج رجله اليسرى، وأن يتعاهد نعليه، وأن يدعو عند دخوله وعند خروجه. ويجوز نقض ما استهدم دون غيره، ويستحب إعادته. ويجوز استعمال آلته في غيره، ويستحب كنس المساجد والإسراج فيها.
ويحرم: زخرفتها ونقشها بالصور، وبيع آلتها، وأن يؤخذ منها في الطرق والأملاك، ومن أخذ منها شيئاً وجب أن يعيده إليها أو إلى مسجد آخر. وإذا زالت آثار المسجد لم يحل تملكه، ولا يجوز إدخال النجاسة إليها، ولا إزالة النجاسة فيها، ولا إخراج الحصى منها، وإن فعل أعاده إليها. ويحرم فتح باب دار إلى المسجد إلا باب دار المعصوم، ويكره الأكل فيها وجعلها مجالس للطعام كراهية شديدة.
ويكره: تعليتها وأن يعمل لها شرف، أو محاريب داخلة في الحائط، وأن تجعل طريقاً. ويستحب: أن يتجنب البيع والشراء، وتمكين المجانين، وإنفاذ الأحكام وتعريف الضوال، وإقامة الحدود، وإنشاد الشعر، ورفع الصوت، وعمل الصنائع والنوم. ويكره: دخول من في فيه رائحة بصل أو ثوم، والتنخم والبصاق، وقتل القمل فإن فعل ستره بالتراب، وكشف العورة، والرمي بالحصى.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا انهدمت الكنائس والبيع ، فإن كان لأهلها ذمة لم يجز التعرض لها، وإن كانت في أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمالها في المساجد.
الثانية: الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل ، والنافلة بالعكس.
الثالثة: الصلاة في الجامع بمائة، وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين، وفي السوق باثنتي عشرة صلاة. حرمة أضرحة المعصومين والحسينيات كحرمة المساجد، ولكن لا يكره الأكل في الحسينيات ويستحب للإمام أو من نصبه أن يدير أمور المسلمين من المسجد.
الفصل الرابع: في صلاة الخوف والمطاردة
صلاة الخوف مقصورة سفراً، وفي الحضر إذا صليت جماعة أو فرادى. وإذا صليت جماعة فالإمام بالخيار إن شاء صلى بطائفة ثم بأخرى وكانت الثانية له ندباً، والأفضل أن يصلي كما صلى رسول الله (ص) بذات الرقاع.
ثم تحتاج هذه الصلاة إلى النظر في شروطها وكيفيتها، وأحكامها.
أما الشروط: فإن يكون الخصم في غير جهة القبلة، وأن يكون فيه قوة لا يؤمن أن يهجم على المسلمين، وأن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين، يكفل كل طائفة بمقاومة الخصم، وأن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين.
وأما كيفيتها: فإن كانت الصلاة ثنائية صلى بالأولى ركعة وجلس، فيقوم من خلفه ويتمون ثم يستقبلون العدو، فيقوم للثانية وتأتي الفرقة الأخرى فيحرمون ويدخلون معه في ثانيته وهي أولاهم، فإذا جلس للتشهد أطال، ونهض من خلفه فأتموا وجلسوا، فتشهد بهم وسلم. فتحصل المخالفة في ثلاثة أشياء: انفراد المؤتم (بالأفعال لا بالنية فصلاته جماعة)، وتوقع الإمام للمأموم حتى يتم، وإمامة القاعد بالقائم. وإن كانت ثلاثية فهو بالخيار إن شاء صلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ، وإن شاء بالعكس، ويجوز أن يكون كل فرقة واحداً.
وأما أحكامها، ففيها مسائل:
الأولى: كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم لا حكم له، وفي حال الانفراد يكون الحكم على ما قدمناه في باب السهو.
الثانية: أخذ السلاح واجب في الصلاة ولو كان على السلاح نجاسة، ولو كان ثقيلاً يمنع شيئاً من واجبات الصلاة لم يجز.
الثالثة: إذا سها الإمام سهواً يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه، فإذا سلم وسجد لم يجب عليها اتباعه.
وأما صلاة المطاردة وتسمى صلاة شدة الخوف، مثل أن ينتهي الحال إلى المعانقة والمسايقة، فيصلي على حسب إمكانه واقفاً أو ماشياً أو راكباً، ويستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ثم يستمر إن أمكنه، وإلا استقبل بما أمكنه وصلى مع التعذر إلى أي الجهات أمكن. وإذا لم يتمكن من النزول صلى راكباً، ويسجد على قربوس سرجه، وإن لم يتمكن أومأ ايماءاً، فإن خشي صلى بالتسبيح ويسقط الركوع والسجود، ويقول بدل كل ركعة: سبحان الله والحمد الله، ولا إله إلا الله والله أكبر.
فروع :
الأول: إذ صلى مومياً فأمن أتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي منها، ولا يستأنف ما لم يستدبر القبلة في أثناء صلاته. وكذا لو صلى بعض صلاته ثم عرض الخوف أتم صلاة خائف ولا يستأنف.
الثاني : من رأى سواداً فظنه عدواً فقصر أو صلى مومياً ثم انكشف بطلان خياله لم يعد، وكذا لو أقبل العدو فصلى مومياً لشدة خوفه، ثم بان هناك حائل يمنع العدو.
الثالث: إذا خاف من سيل أو سبع جاز أن يصلي صلاة شدة الخوف.
تتمة: المتوحل والغريق يصليان بحسب الإمكان، ويوميان لركوعهما وسجودهما ولا يقصر واحد منهما عدد صلاته، إلا في سفر أو خوف.
الفصل الخامس: في صلاة المسافر
والنظر في: الشروط، والقصر، ولواحقه.
أما الشروط، فستة:
الأول: اعتبار المسافة، وهي (44كم) ذهاباً أو إياباً، أو (22كم) ذهاباً وإياباً. ولو كانت المسافة (22كم) وأراد العود إلى بيته في يوم أو أيام دون العشر وجب التقصير، ولو تردد يوماً في اقل من (22كم) ذاهباً وجائياً وعائداً لم يجز التقصير وإن كان ذلك من نيته. ولو كان لبلد طريقان والأبعد منهما مسافة فسلك الأبعد قصر ، وإن كان ميلاً إلى الرخصة.
الشرط الثاني: قصد المسافة، فلو قصد ما دون المسافة ثم تجدد له رأي فقصد أخرى مثلها لم يقصر، ولو زاد المجموع على مسافة التقصير فإن عاد وقد كملت المسافة فما زاد قصر، وكذا لو طلب دابة شذت له أو غريماً أو آبقاً. ولو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم وإلا عاد، فإن كان على حد مسافة (22كم) قصر في سفره وفي موضع توقفه، وإن كان دونها أتم حتى تيسر له الرفقة ويسافر.
الشرط الثالث: أن لا يقطع السفر بإقامة في أثنائه، فلو عزم على مسافة وفي طريقه ملك له قد استوطنه ستة أشهر أتم في طريقه وفي ملكه، وكذا لو نوى الإقامة في بعض المسافة. ولو كان بينه و بين ملكه أو ما نوى الإقامة فيه مسافة التقصير قصر في طريقه خاصة. ولو كان عدة مواطن اعتبر ما بينه وبين الأول، فإن كان مسافة قصر في طريقه، وينقطع سفره بموطنه فيتم فيه. ثم يعتبر المسافة التي بين موطنيه، فإن لم تكن مسافة أتم في طريقه لانقطاع سفره ، وإن كانت مسافة قصر في طريقه الثانية حتى يصل إلى وطنه.
والوطن الذي يتم فيه: هو موضع سكنه واستقراره وكل موضع له فيه ملك أو شبهه (كأرض المقابلة، أو الأنفال التي انتفع بها بإذن الإمام)، قد استوطنه ستة أشهر متوالية فصاعداً، بشرط أن تكون في الملك دار للسكن.
الشرط الرابع: أن يكون السفر سائغاً واجباً كان كحجة الإسلام، أو مندوباً كزيارة النبي صلى الله عليه وآله، أو مباحاً كالأسفار للمتاجر. ولو كان معصية لم يقصر كاتباع الجائر، وصيد اللهو، ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله أو للتجارة قصر.
الشرط الخامس: أن لا يكون سفره أكثر من حضره، كالبدوي الذي يطلب القطر، والمكاري والملاح والتاجر الذي يطلب الأسواق والبريد. وضابطه: كل من كان سفره أربعة أيام في الأسبوع أو ستة عشر يوماً في الشهر أو ستة أشهر ويوم في السنة على الدوام أتم وصام في السفر، ويبدأ بالتمام والصيام متى علم أن هذا حاله ولو كان في أول يوم من سفره.
الشرط السادس: لا يجوز للمسافر التقصير حتى يخفى عليه الآذان، ولا يجوز له الترخص قبل ذلك ولو نوى السفر ليلاً. وكذا في عوده يقصر حتى يبلغ سماع الآذان (بصوت الإنسان لا بالمكبرات) من مصره، فإذا سمع أتم. ولو نوى الإقامة في غير بلده عشرة أيام أتم، ودونها يقصر. وإن تردد عزمه قصر ما بينه وبين شهر، ثم يتم ولو صلاة واحدة. ولو نوى الإقامة ثم بدا له وعزم على قطع الإقامة رجع إلى التقصير سواء صلى صلاة واحدة بنية الإتمام أو أكثر أم لم يصل. ولو عدل بنيته مرة أخرى إلى البقاء لزمه أن ينوي إقامة عشرة أيام جديدة ليتم.
وأما القصر:
فإنه عزيمة إلا في أحد المواطن الأربعة: مكة والمدينة والمسجد الجامع بالكوفة والحاير فإنه مخير، والإتمام أفضل. وإذا تعين القصر فأتم عامداً أعاد على كل حال، وإن كان جاهلاً بالتقصير فلا إعادة ولو كان الوقت باقياً، وإن كان ناسياً لا يعيد في الوقت، ولا يقضي إن خرج الوقت. ولو قصر المسافر اتفاقاً صحت صلاته، وإذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر والوقت باق يقصر اعتباراً بحال الأداء، ولو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق يتم اعتباراً بحال الأداء.
ويستحب: أن يقول عقيب كل فريضة ثلاثين مرة: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله، والله أكبر جبراً للفريضة، ولا يلزم المسافر متابعة الحاضر إذا أتم به، بل يقتصر على فرضه ويسلم منفرداً.
وأما اللواحق، فمسائل:
الأولى: إذا خرج إلى مسافة فمنعه مانع اعتبر، فإن كان بحيث يخفى عليه الآذان قصر إذا لم يرجع عن نية السفر، وإن كان بحيث يسمعه أو بدا له عن السفر أتم، ويستوي في ذلك المسافر في البر والبحر.
الثانية: لو خرج إلى مسافة فردته الريح، فإن بلغ سماع الآذان أتم ، وإلا قصر.
الثالثة: إذا عزم على الإقامة في غير بلده عشرة أيام، ثم خرج إلى ما دون المسافة فإن عزم العود والإقامة أتم ذاهباً وفي البلد.
الرابعة: من دخل في صلاة بنية القصر، ثم عَنَّ له الإقامة وعزم على الإقامة أتم. ولو نوى الإقامة عشراً ودخل في صلاته، فعن له السفر وعزم على السفر يرجع إلى التقصير. ولو جدد العزم على السفر بعد الفراغ من صلاته التمام عاد إلى القصر.
الخامسة: الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة، لا بحال وجوبها ، فإذا فاتت قصراً قضيت كذلك.
السادسة: إذا نوى المسافة وخفي عليه الأذان وقصر، فبدا له لم يعد صلاته.
السابعة: إذا دخل وقت نافلة الزوال فلم يصل وسافر استحب له قضاؤها ولو في السفر.
* * *
كتاب الصيام
والنظر في: أركانه، وأقسامه، ولواحقه.
وأركانه أربعة:
الأول: الصيام
وهو الكف عن المفطرات مع النية، ويكفي في رمضان وغيره أن ينوي صيامه متقرباً إلى الله. ولو نسيها ليلاً جددها نهاراً ما بينه وبين الزوال. فلو زالت الشمس فات محلها واجباً كان الصيام أو ندباً، ويختص رمضان بجواز تقديم النية عليه. ولو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية. وكذا يجزي نية واحدة لصيام الشهر كله.
ولا يقع في رمضان صيام غيره، ولو نوى غيره واجباً كان أو ندباً أجزأ عن رمضان دون ما نواه. ولا يجوز أن يردد نيته بين الواجب والندب، بل لابد من قصد أحدهما تعييناً أو القربة المطلقة. ولو قصد الوجوب (أي من رمضان) آخر يوم من شعبان مع الشك لم يجزئ عن أحدهما، ولو نواه مندوباً أجزأ عن رمضان إذا انكشف إنه منه. ولو صام على أنه إن كان رمضان كان واجباً وإلا كان مندوباً لا يجزي وعليه الإعادة. ولو أصبح بنية الإفطار ثم بان أنه من رمضان جدد النية وأجزأ به، فإن كان ذلك بعد الزوال أمسك وعليه القضاء.
فروع ثلاثة:
الأول: لو نوى الإفطار في يوم رمضان ، ثم جدد قبل الزوال صح صيامه .
الثاني: لو عقد نية الصيام ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم جدد النية كان صحيحاً .
الثالث: نية الصبي المميز صحيحة ، وصيامه شرعي .
الثاني: ما يمسك عنه الصائم
وفيه مقاصد:
الأول: يجب الإمساك عن كل مأكول معتاداً كان كالخبز والفواكه، أو غير معتاد كالحصى والبرد. وعن كل مشروب ولو لم يكن معتاداً كمياه الأنوار وعصارة الأشجار. وعن الجماع في القبل وفي دبر المرأة، ويفسد صيام المرأة ويفسد الصيام بعمل اللواط الخبيث وبوطئ الدابة. وعن الكذب على الله وعلى رسوله، وعلى الأئمة والمهديين (ع)، ويفسد الصيام بذلك. وعن الإرتماس، ويحرم ويفسد الصيام بفعله إذا كان للهو، أما إذا كان عمله في الإرتماس أو أرتمس لإخراج شيء من الماء فلا يحرم وصومه صحيح. وإيصال الغبار إلى الحلق حرام ويفسد الصيام، وعن التدخين فهو يفسد الصيام لا باعتباره غباراً غليظاً. وعن البقاء على الجنابة عامداً حتى يطلع الفجر من غير ضرورة.
ولو أجنب فنام غير ناوٍ للغسل فطلع الفجر فسد الصيام، ولو كان نوى الغسل صح صيامه. ولو انتبه ثم نام ناوياً للغسل فأصبح نائماً فسد صيامه وعليه قضاؤه. ولو استمنى أو لمس امرأة فأمنى فسد صيامه. ولو احتلم بعد نية الصيام نهاراً لم يفسد صيامه، وكذا لو نظر إلى امرأة فأمنى أو استمع فأمنى. والحقنة بالجامد جائزة، وبالمائع محرمة ويفسد بها الصيام، والحقنة بالعضلة والوريد لا تفسد الصيام إلا المغذي فإنه يفسد الصيام.
مسألتان:
الأولى: كل ما ذكرنا أنه يفسد الصيام إنما يفسده إذا وقع عمداً سواء كان عالماً أو جاهلاً، ولو كان سهواً لم يفسد سواء كان الصيام واجباً أو ندباً، وكذا لو أكره على الإفطار، أو وجر في حلقه.
الثانية: لا بأس بمص الخاتم، ومضغ الطعام للصبي، وزق الطائر، وذوق المرق والاستنقاع في الماء للرجال. ويستحب السواك للصلاة بالرطب واليابس.
المقصد الثاني: فيما يترتب على ذلك، وفيه مسائل:
الأولى: تجب مع القضاء الكفارة بأشياء هي: الأكل والشرب المعتاد وغيره، والجماع حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة أو دبرها، وتعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، وكذا لو نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر، والاستمناء، وإيصال الغبار إلى الحلق، والتدخين.
الثانية: لا تجب الكفارة إلا في صيام رمضان، وقضاؤه بعد الزوال، والنذر المعين وفي صيام الاعتكاف إذا وجب، وما عداه لا تجب فيه الكفارة مثل: صيام الكفارات، والنذر غير المعين والمندوب وإن فسد الصيام.
تفريع:
من أكل ناسياً فظن فساد صيامه فأفطر عامداً فسد صيامه وعليه القضاء، ولا تجب الكفارة. ولو وجر في حلقه، أو أكره إكراهاً يرتفع معه الاختيار لم يفسد صيامه. ولو خُوّفَ فأفطر وجب القضاء، ولا كفارة.
الثالثة: الكفارة في شهر رمضان عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً مخيراً في ذلك. ويجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات، وبالمحلل كفارة، وإذا لم يجد الرقبة يدفع ثمنها للإمام.
الرابعة: إذا أفطر زماناً نذر صيامه على التعيين كان عليه القضاء، وكفارة كبرى مخيرة.
الخامسة: الكذب على الله وعلى الأئمة والمهديين (ع) حرام على الصائم وغيره وإن تأكد في الصائم، ويجب به قضاء وكفارة.
السادسة: الإرتماس المفسد للصيام تجب به كفارة وقضاء.
السابعة: لا بأس بالحقنة بالجامد، ويحرم بالمائع ويجب به القضاء.
الثامنة: من أجنب ونام ناوياً للغسل، ثم انتبه ثم نام كذلك، ثم انتبه ونام ثالثة ناوياً حتى طلع الفجر لا تلزمه الكفارة.
التاسعة: يجب القضاء في الصيام الواجب المتعين بتسعة أشياء: فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة، والإفطار إخلاداً إلى من أخبره أن الفجر لم يطلع مع القدرة على عرفانه ويكون طالعاً، وترك العمل بقول المخبر بطلوعه، والإفطار لظنه كذبه. وكذا الإفطار تقليداً أن الليل دخل ثم تبين فساد الخبر، والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل، فلو غلب على ظنه لم يفطر. وتعمد القيء، ولو ذرعه لم يفطر، والحقنة بالمائع، ودخول الماء إلى الحلق للتبرد دون التمضمض به للطهارة، ومعاودة الجنب النوم ثانياً حتى يطلع الفجر ناوياً للغسل. ومن نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى عليه القضاء، ولو كانت محللة (الزوجة) لم يجب.
فروع:
الأول: لو تمضمض متداوياً، أو طرح في فمه خرزاً، أو غيره لغرض صحيح فسبق إلى حلقه لم يفسد صيامه، ولو فعل ذلك عبثاً عليه القضاء.
الثاني: ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم، فإن ابتلعه عمداً وجب عليه القضاء والكفارة، وفي السهو لا شئ عليه.
الثالث: يفسد الصيام ما يصل إلى الجوف بغير الحلق عدا الحقنة بالمائع، وصب الدواء في الاحليل لا يفسد الصيام.
الرابع: لا يفسد الصيام بابتلاع النخامة والبصاق ولو كان عمداً ما لم ينفصل عن الفم، وما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدى الحلق من غير قصد لم يفسد الصيام، ولو تعمد ابتلاعه أفسد.
الخامس: ما له طعم كالعلك يفسد الصيام.
السادس: إذا طلع الفجر وفي فيه طعام لفظه، ولو ابتلعه فسد صيامه، وعليه مع القضاء الكفارة.
السابع: المنفرد برؤية هلال شهر رمضان إذا أفطر وجب عليه القضاء والكفارة.
المسألة العاشرة: يجوز الجماع حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل، ولو تيقن ضيق الوقت فواقع فسد صيامه وعليه الكفارة. ولو فعل ذلك ظاناً سعته فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شئ، وإن أهمله فعليه القضاء.
الحادية عشرة: تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صيام يتعلق به الكفارة، وإن كان في يوم واحد لا تتكرر سواء كان من جنس واحد أو مختلفاً.
فرع: من فعل ما يجب به الكفارة ثم سقط فرض الصيام بسفر أو حيض وشبهه لا تسقط عنه الكفارة.
الثانية عشرة: من أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً عزر مرة، فإن عاد كذلك عزر ثانياً، فإن عاد قتل.
الثالثة عشرة: من وطئ زوجته في شهر رمضان وهما صائمان، مكرهاً لها، كان عليه كفارة، ولا كفارة عليها ولا قضاء. فإن طاوعته فسد صيامهما، وعلى كل واحد منهما كفارة عن نفسه، ويعزران بخمسة وعشرين سوطاً. و لو اكره أجنبية أي اغتصبها فصيامها صحيح ولا كفارة عليها ولا قضاء، وعليه كفارة وقضاء، ويقتل ويعذب في قتله ويضرب بالسيف على وجهه.
الرابعة عشرة: كل من وجب عليه شهران متتابعان، فعجز عن صيامهما صام ثمانية عشر يوماً، ولو عجز عن الصيام أصلاً استغفر الله فهو كفارته.
الخامسة عشرة: لو تبرع متبرع بالتكفير عن من وجبت عليه الكفارة لا يجوز إلا أن يعطيه المال أو الطعام ويكفر هو عن نفسه، ويجوز أن يُكَفّر عن الميت حتى بالصيام.
المقصد الثالث: فيما يكره للصائم.
وهو تسعة أشياء: مباشرة النساء تقبيلاً ولمساً وملاعبة، والاكتحال بما فيه صبر أو مسك، وإخراج الدم المضعف، ودخول الحمام كذلك، والسعوط بما لا يتعدى الحلق، وشم الرياحين ويتأكد في النرجس، والاحتقان بالجامد، وبل الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في الماء.
الثالث: في الزمان الذي يصح فيه الصيام
وهو النهار دون الليل. ولو نذر الصيام ليلاً لم ينعقد، وكذا لو ضمه إلى النهار. ولا يصح صيام العيدين، ولو نذر صيامهما لم ينعقد، ولو نذر يوماً معيناً فاتفق أحد العيدين لم يصح صيامه، ولا يجب قضاؤه وان كان الأفضل قضاءه. وكذا البحث في أيام التشريق لمن كان بمنى.
الرابع: من يصح الصيام منه
هو العاقل المؤمن، فلا يصح صيام الكافر (فلا يصح صيام الكافر بالرسول أو الأئمة أو المهديين) وإن وجب عليه. ولا المجنون، ويصح من المغمى عليه إذا سبقت منه النية. ويصح صيام الصبي المُمَيّز، والنائم إذا سبقت منه النية ولو استمر إلى الليل. ولو لم يعقد صيامه بالنية مع وجوبه، ثم طلع الفجر عليه نائماً واستمر حتى زالت الشمس فعليه القضاء، إلا في رمضان فتكفيه نية أول الشهر.
ولا يصح صيام الحائض ولا النفساء، سواء حصل العذر قبل الغروب، أو انقطع بعد الفجر. ويصح من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الاغسال أو الغسل. ولا يصح الصيام الواجب من مسافر يلزمه التقصير، إلا ثلاثة أيام في بدل الهدي، وثمانية عشر يوماً في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً، والنذر المشروط سفراً وحضراً. ويصح صيام المسافر مندوباً إلا في رمضان، ويصح كل ذلك ممن له حكم المقيم.
ولا يصح من الجنب إذا ترك الغسل عامداً مع القدرة حتى يطلع الفجر. ولو استيقظ جنباً بعد الفجر لم ينعقد صيامه قضاء عن رمضان لا ندباً، وإن كان في رمضان فصيامه صحيح، وكذا في النذر المعين. ويصح من المريض ما لم يستضر به.
مسألتان:
الأولى: البلوغ الذي يجب معه العبادات: الاحتلام، أو الإنبات، أو إتمام أربعة عشر سنة والدخول في الخامسة عشر في الرجال، وتسع والدخول في العاشرة في النساء.
الثانية : يمرن الصبي والصبية على الصيام قبل البلوغ، ويشدد عليهما لسبع مع الطاقة.
* * *
والنظر في: أركانه، وأقسامه، ولواحقه.
وأركانه أربعة:
الأول: الصيام
وهو الكف عن المفطرات مع النية، ويكفي في رمضان وغيره أن ينوي صيامه متقرباً إلى الله. ولو نسيها ليلاً جددها نهاراً ما بينه وبين الزوال. فلو زالت الشمس فات محلها واجباً كان الصيام أو ندباً، ويختص رمضان بجواز تقديم النية عليه. ولو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية. وكذا يجزي نية واحدة لصيام الشهر كله.
ولا يقع في رمضان صيام غيره، ولو نوى غيره واجباً كان أو ندباً أجزأ عن رمضان دون ما نواه. ولا يجوز أن يردد نيته بين الواجب والندب، بل لابد من قصد أحدهما تعييناً أو القربة المطلقة. ولو قصد الوجوب (أي من رمضان) آخر يوم من شعبان مع الشك لم يجزئ عن أحدهما، ولو نواه مندوباً أجزأ عن رمضان إذا انكشف إنه منه. ولو صام على أنه إن كان رمضان كان واجباً وإلا كان مندوباً لا يجزي وعليه الإعادة. ولو أصبح بنية الإفطار ثم بان أنه من رمضان جدد النية وأجزأ به، فإن كان ذلك بعد الزوال أمسك وعليه القضاء.
فروع ثلاثة:
الأول: لو نوى الإفطار في يوم رمضان ، ثم جدد قبل الزوال صح صيامه .
الثاني: لو عقد نية الصيام ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم جدد النية كان صحيحاً .
الثالث: نية الصبي المميز صحيحة ، وصيامه شرعي .
الثاني: ما يمسك عنه الصائم
وفيه مقاصد:
الأول: يجب الإمساك عن كل مأكول معتاداً كان كالخبز والفواكه، أو غير معتاد كالحصى والبرد. وعن كل مشروب ولو لم يكن معتاداً كمياه الأنوار وعصارة الأشجار. وعن الجماع في القبل وفي دبر المرأة، ويفسد صيام المرأة ويفسد الصيام بعمل اللواط الخبيث وبوطئ الدابة. وعن الكذب على الله وعلى رسوله، وعلى الأئمة والمهديين (ع)، ويفسد الصيام بذلك. وعن الإرتماس، ويحرم ويفسد الصيام بفعله إذا كان للهو، أما إذا كان عمله في الإرتماس أو أرتمس لإخراج شيء من الماء فلا يحرم وصومه صحيح. وإيصال الغبار إلى الحلق حرام ويفسد الصيام، وعن التدخين فهو يفسد الصيام لا باعتباره غباراً غليظاً. وعن البقاء على الجنابة عامداً حتى يطلع الفجر من غير ضرورة.
ولو أجنب فنام غير ناوٍ للغسل فطلع الفجر فسد الصيام، ولو كان نوى الغسل صح صيامه. ولو انتبه ثم نام ناوياً للغسل فأصبح نائماً فسد صيامه وعليه قضاؤه. ولو استمنى أو لمس امرأة فأمنى فسد صيامه. ولو احتلم بعد نية الصيام نهاراً لم يفسد صيامه، وكذا لو نظر إلى امرأة فأمنى أو استمع فأمنى. والحقنة بالجامد جائزة، وبالمائع محرمة ويفسد بها الصيام، والحقنة بالعضلة والوريد لا تفسد الصيام إلا المغذي فإنه يفسد الصيام.
مسألتان:
الأولى: كل ما ذكرنا أنه يفسد الصيام إنما يفسده إذا وقع عمداً سواء كان عالماً أو جاهلاً، ولو كان سهواً لم يفسد سواء كان الصيام واجباً أو ندباً، وكذا لو أكره على الإفطار، أو وجر في حلقه.
الثانية: لا بأس بمص الخاتم، ومضغ الطعام للصبي، وزق الطائر، وذوق المرق والاستنقاع في الماء للرجال. ويستحب السواك للصلاة بالرطب واليابس.
المقصد الثاني: فيما يترتب على ذلك، وفيه مسائل:
الأولى: تجب مع القضاء الكفارة بأشياء هي: الأكل والشرب المعتاد وغيره، والجماع حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة أو دبرها، وتعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، وكذا لو نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر، والاستمناء، وإيصال الغبار إلى الحلق، والتدخين.
الثانية: لا تجب الكفارة إلا في صيام رمضان، وقضاؤه بعد الزوال، والنذر المعين وفي صيام الاعتكاف إذا وجب، وما عداه لا تجب فيه الكفارة مثل: صيام الكفارات، والنذر غير المعين والمندوب وإن فسد الصيام.
تفريع:
من أكل ناسياً فظن فساد صيامه فأفطر عامداً فسد صيامه وعليه القضاء، ولا تجب الكفارة. ولو وجر في حلقه، أو أكره إكراهاً يرتفع معه الاختيار لم يفسد صيامه. ولو خُوّفَ فأفطر وجب القضاء، ولا كفارة.
الثالثة: الكفارة في شهر رمضان عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً مخيراً في ذلك. ويجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات، وبالمحلل كفارة، وإذا لم يجد الرقبة يدفع ثمنها للإمام.
الرابعة: إذا أفطر زماناً نذر صيامه على التعيين كان عليه القضاء، وكفارة كبرى مخيرة.
الخامسة: الكذب على الله وعلى الأئمة والمهديين (ع) حرام على الصائم وغيره وإن تأكد في الصائم، ويجب به قضاء وكفارة.
السادسة: الإرتماس المفسد للصيام تجب به كفارة وقضاء.
السابعة: لا بأس بالحقنة بالجامد، ويحرم بالمائع ويجب به القضاء.
الثامنة: من أجنب ونام ناوياً للغسل، ثم انتبه ثم نام كذلك، ثم انتبه ونام ثالثة ناوياً حتى طلع الفجر لا تلزمه الكفارة.
التاسعة: يجب القضاء في الصيام الواجب المتعين بتسعة أشياء: فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة، والإفطار إخلاداً إلى من أخبره أن الفجر لم يطلع مع القدرة على عرفانه ويكون طالعاً، وترك العمل بقول المخبر بطلوعه، والإفطار لظنه كذبه. وكذا الإفطار تقليداً أن الليل دخل ثم تبين فساد الخبر، والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل، فلو غلب على ظنه لم يفطر. وتعمد القيء، ولو ذرعه لم يفطر، والحقنة بالمائع، ودخول الماء إلى الحلق للتبرد دون التمضمض به للطهارة، ومعاودة الجنب النوم ثانياً حتى يطلع الفجر ناوياً للغسل. ومن نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى عليه القضاء، ولو كانت محللة (الزوجة) لم يجب.
فروع:
الأول: لو تمضمض متداوياً، أو طرح في فمه خرزاً، أو غيره لغرض صحيح فسبق إلى حلقه لم يفسد صيامه، ولو فعل ذلك عبثاً عليه القضاء.
الثاني: ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم، فإن ابتلعه عمداً وجب عليه القضاء والكفارة، وفي السهو لا شئ عليه.
الثالث: يفسد الصيام ما يصل إلى الجوف بغير الحلق عدا الحقنة بالمائع، وصب الدواء في الاحليل لا يفسد الصيام.
الرابع: لا يفسد الصيام بابتلاع النخامة والبصاق ولو كان عمداً ما لم ينفصل عن الفم، وما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدى الحلق من غير قصد لم يفسد الصيام، ولو تعمد ابتلاعه أفسد.
الخامس: ما له طعم كالعلك يفسد الصيام.
السادس: إذا طلع الفجر وفي فيه طعام لفظه، ولو ابتلعه فسد صيامه، وعليه مع القضاء الكفارة.
السابع: المنفرد برؤية هلال شهر رمضان إذا أفطر وجب عليه القضاء والكفارة.
المسألة العاشرة: يجوز الجماع حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل، ولو تيقن ضيق الوقت فواقع فسد صيامه وعليه الكفارة. ولو فعل ذلك ظاناً سعته فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شئ، وإن أهمله فعليه القضاء.
الحادية عشرة: تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صيام يتعلق به الكفارة، وإن كان في يوم واحد لا تتكرر سواء كان من جنس واحد أو مختلفاً.
فرع: من فعل ما يجب به الكفارة ثم سقط فرض الصيام بسفر أو حيض وشبهه لا تسقط عنه الكفارة.
الثانية عشرة: من أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً عزر مرة، فإن عاد كذلك عزر ثانياً، فإن عاد قتل.
الثالثة عشرة: من وطئ زوجته في شهر رمضان وهما صائمان، مكرهاً لها، كان عليه كفارة، ولا كفارة عليها ولا قضاء. فإن طاوعته فسد صيامهما، وعلى كل واحد منهما كفارة عن نفسه، ويعزران بخمسة وعشرين سوطاً. و لو اكره أجنبية أي اغتصبها فصيامها صحيح ولا كفارة عليها ولا قضاء، وعليه كفارة وقضاء، ويقتل ويعذب في قتله ويضرب بالسيف على وجهه.
الرابعة عشرة: كل من وجب عليه شهران متتابعان، فعجز عن صيامهما صام ثمانية عشر يوماً، ولو عجز عن الصيام أصلاً استغفر الله فهو كفارته.
الخامسة عشرة: لو تبرع متبرع بالتكفير عن من وجبت عليه الكفارة لا يجوز إلا أن يعطيه المال أو الطعام ويكفر هو عن نفسه، ويجوز أن يُكَفّر عن الميت حتى بالصيام.
المقصد الثالث: فيما يكره للصائم.
وهو تسعة أشياء: مباشرة النساء تقبيلاً ولمساً وملاعبة، والاكتحال بما فيه صبر أو مسك، وإخراج الدم المضعف، ودخول الحمام كذلك، والسعوط بما لا يتعدى الحلق، وشم الرياحين ويتأكد في النرجس، والاحتقان بالجامد، وبل الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في الماء.
الثالث: في الزمان الذي يصح فيه الصيام
وهو النهار دون الليل. ولو نذر الصيام ليلاً لم ينعقد، وكذا لو ضمه إلى النهار. ولا يصح صيام العيدين، ولو نذر صيامهما لم ينعقد، ولو نذر يوماً معيناً فاتفق أحد العيدين لم يصح صيامه، ولا يجب قضاؤه وان كان الأفضل قضاءه. وكذا البحث في أيام التشريق لمن كان بمنى.
الرابع: من يصح الصيام منه
هو العاقل المؤمن، فلا يصح صيام الكافر (فلا يصح صيام الكافر بالرسول أو الأئمة أو المهديين) وإن وجب عليه. ولا المجنون، ويصح من المغمى عليه إذا سبقت منه النية. ويصح صيام الصبي المُمَيّز، والنائم إذا سبقت منه النية ولو استمر إلى الليل. ولو لم يعقد صيامه بالنية مع وجوبه، ثم طلع الفجر عليه نائماً واستمر حتى زالت الشمس فعليه القضاء، إلا في رمضان فتكفيه نية أول الشهر.
ولا يصح صيام الحائض ولا النفساء، سواء حصل العذر قبل الغروب، أو انقطع بعد الفجر. ويصح من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الاغسال أو الغسل. ولا يصح الصيام الواجب من مسافر يلزمه التقصير، إلا ثلاثة أيام في بدل الهدي، وثمانية عشر يوماً في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً، والنذر المشروط سفراً وحضراً. ويصح صيام المسافر مندوباً إلا في رمضان، ويصح كل ذلك ممن له حكم المقيم.
ولا يصح من الجنب إذا ترك الغسل عامداً مع القدرة حتى يطلع الفجر. ولو استيقظ جنباً بعد الفجر لم ينعقد صيامه قضاء عن رمضان لا ندباً، وإن كان في رمضان فصيامه صحيح، وكذا في النذر المعين. ويصح من المريض ما لم يستضر به.
مسألتان:
الأولى: البلوغ الذي يجب معه العبادات: الاحتلام، أو الإنبات، أو إتمام أربعة عشر سنة والدخول في الخامسة عشر في الرجال، وتسع والدخول في العاشرة في النساء.
الثانية : يمرن الصبي والصبية على الصيام قبل البلوغ، ويشدد عليهما لسبع مع الطاقة.
* * *
النظر الثاني: في أقسامه
وهي أربع: واجب، وندب، ومكروه، ومحظور.
والواجب ستة: صيام شهر رمضان، والكفارات، ودم المتعة (حج التمتع)، والنذر وما في معناه، والاعتكاف على وجه، وقضاء الواجب.
القول: في شهر رمضان
والكلام في: علامته، وشروطه، وأحكامه.
أما الأول:
فيعلم الشهر برؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه الصيام ولو انفرد برؤيته، وكذا لو شهد فردت شهادته، وكذا يفطر لو انفرد بهلال شوال. ومن لم يره لا يجب عليه الصيام إلا أن يمضي من شعبان ثلاثون يوماً، أو رؤي رؤية شائعة، فإن لم يتفق ذلك وشهد شاهدان تقبل شهادتهما سواء كانا من البلد أو خارجه. وإذا رؤي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصيام على ساكنيهما أجمع، وكذا المتباعدة كالعراق وخراسان. وإذا ثبت رؤية الهلال في بلد ثبتت في كل البلاد التي لا تختلف عنه في الوقت أكثر من ربع الليل والنهار أي ست ساعات. ويثبت بشهادة النساء، ولا يثبت بشهادة الواحد. ولا اعتبار بالجدول، ولا بالعد، ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق، ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال، ولا بتطوقه ولا بعد خمسة أيام من أول الهلال في الماضية.
ويستحب صيام الثلاثين من شعبان بنية الندب، فإن انكشف من الشهر أجزأ. ولو صامه بنية رمضان لأمارة يجزيه، وإن أفطر فأهل شوال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان قضاه. وكذا لو قامت بينة برؤية ليلة الثلاثين من شعبان. وكل شهر يشتبه رؤيته يعد ما قبله ثلاثين. ولو غمت شهور السنة عد شهر رمضان ثلاثين، وكذا ذي القعدة وذي الحجة ورجب وباقي الشهور بين ثلاثين وتسع وعشرين.
ومن كان بحيث لا يعلم الشهر كالأسير والمحبوس صام شهراً تغليباً، فإن استمر الاشتباه فهو برئ، وإن اتفق في شهر رمضان أو بعده أجزأه، وإن كان قبله قضاه.
ووقت الإمساك طلوع الفجر الثاني، ووقت الإفطار غروب الشمس، وحده سقوط القرص، والأفضل الانتظار إلى ذهاب الحمرة من المشرق للاطمئنان والتأكد من سقوط القرص. ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلي المغرب، وخير الدعاء دعاء الصائم في صلاة المغرب قبل أن يفطر، إلا إن تنازعه نفسه، أو يكون من يتوقعه للإفطار.
الثاني: في الشروط
وهي قسمان:
الأول: ما باعتباره يجب الصيام، وهو سبعة: البلوغ، وكمال العقل: فلا يجب على الصبي، ولا على المجنون إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر. ولو كملا بعد طلوعه لم يجب، وكذا المغمى عليه.
والصحة من المرض: فإن برئ قبل الزوال ولم يتناول وجب الصيام، وإن كان تناول أو كان برؤه بعد الزوال أمسك استحباباً، ولزمه القضاء.
والإقامة أو حكمها: فلا يجب على المسافر ولا يصح منه، بل يلزمه القضاء، ولو صام لم يجزه مع العلم، ويجزيه مع الجهل. ولو حضر بلده أو بلداً يعزم فيه الإقامة عشرة أيام كان حكمه حكم برئ المريض في الوجوب وعدمه. وفي حكم الإقامة كثرة السفر كالمكاري والملاح وشبههما.
والخلو من الحيض والنفاس: فلا يجب عليهما ولا يصح منهما وعليهما القضاء.
الثاني: ما باعتباره يجب القضاء، وهو ثلاثة شروط: البلوغ، وكمال العقل، والإيمان. فلا يجب على الصبي القضاء إلا اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره، وكذا المجنون والكافر وإن وجب عليه، لكن لا يجب القضاء إلا ما أدرك فجره مسلماً. ولو أسلم في أثناء اليوم أمسك استحباباً، وعليه صيام ما يستقبله وجوباً.
الثالث: ما يلحقه من الأحكام
من فاته شهر رمضان، أو شئ منه لصغر أو جنون أو كفر أصلي فلا قضاء عليه، وكذا إن فاته لإغماء. ويجب القضاء على المرتد سواء كان عن فطرة أو عن كفر ، والحائض والنفساء، وكل تارك له بعد وجوبه عليه، إذا لم يقم مقامه غيره. ويستحب الموالاة في القضاء ويجوز أن يفرق.
وفي هذا الباب مسائل:
الأولى: من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض، فإن مات في مرضه لم يقض عنه وجوباً، ويستحب. وإن استمر به المرض إلى رمضان آخر سقط عنه قضاؤه، وكفّر عن كل يوم من السلف بمد (4/3كغم) من الطعام، وإن برئ بينهما وأخره عازماً على القضاء قضاه ولا كفارة، وإن تركه تهاوناً قضاه وكفّر عن كل يوم من السالف بمد من الطعام.
الثانية: يجب على الولي (الولد الأكبر) أن يقضي ما فات الميت من صيام واجب رمضان كان أو غيره، سواء فات لمرض أو غيره. ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله، إلا ما يفوت بالسفر، فإنه يقضي ولو مات مسافراً. والولي هو أكبر أولاده الذكور، ولو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء. ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن (حتى اللحظة) تساووا في القضاء، ولو تبرع بالقضاء بعض سقط. ويقضي عن المرأة (الأم) ما فاتها الولد الأكبر. ويستحب للأبناء والبنات قضاء ما في ذمة الوالدين، وهو من البر بالوالدين بل هو خير البر وإهماله من العقوق المحرم.
الثالثة: إذا لم يكن له ولي أو كان الأكبر أنثى سقط القضاء، ويتصدق عنه عن كل يوم بمد من تركته. ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهراً، وتصدق من مال الميت عن شهر.
الرابعة: القاضي لشهر رمضان لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال لعذر وغيره، ويحرم بعده، ويجب معه الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من طعام، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام.
الخامسة: إذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله، فصيامه صحيح ويقضي الصلاة حسب.
السادسة: إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائماً، وثبت الرؤية في الماضية أفطر وصلى العيد، وإن كان بعد الزوال فقد فاتت الصلاة.
القول: في صيام الكفارات
وينقسم على أربعة أقسام:
الأول: ما يجب فيه الصيام مع غيره، وهو كفارة قتل العمد، فإن خصالها الثلاث تجب جميعاً، ويلحق بذلك من أفطر على محرم في شهر رمضان عامداً.
الثاني: ما يجب الصيام فيه بعد العجز عن غيره، وهو ستة: صيام كفارة قتل الخطأ، والظهار، والإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، وكفارة اليمين، والإفاضة من عرفات عامداً قبل الغروب، وكفارة جزاء الصيد. ويلحق بهذه كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده، وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها.
الثالث: ما يكون الصائم مخيراً فيه بينه وبين غيره، وهو خمسة: صيام كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان عامداً، وكفارة خلف النذر والعهد، والاعتكاف الواجب، وكفارة حلق الرأس في حال الإحرام. ويلحق بذلك كفارة جز المرأة شعر رأسها في المصاب.
الرابع: ما يجب مرتباً على غيره مخيراً بينه وبين غيره، وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه.
وكل صيام يلزم فيه التتابع إلا أربعة: صيام النذر المجرد عن التتابع، وما في معناه من يمين أو عهد، وصيام القضاء، وصيام جزاء الصيد، والسبعة في بدل الهدي. وكل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى عند زواله، وإن أفطر لغير عذر استأنف، إلا ثلاثة مواضع: من وجب عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهراً ومن الثاني شيئاً ولو يوماً بنى، ولو كان قبل ذلك استأنف. ومن وجب عليه صيام شهر متتابع بنذر فصام خمسة عشر يوماً ثم أفطر لم يبطل صيامه وبنى عليه، ولو كان قبل ذلك استأنف.
وفي صيام ثلاثة أيام عن الهدي إن صام يوم التروية وعرفة، ثم أفطر يوم النحر جاز أن يبني بعد انقضاء أيام التشريق، ولو كان أقل من ذلك استأنف. وكذا لو فصل بين اليومين والثالث بإفطار غير العيد استأنف أيضاً. ويلحق به من وجب عليه صيام شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكاً. وكل من وجب عليه صيام متتابع لا يجوز أن يبتدئ زماناً لا يسلم فيه، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يصوم شعبان، إلا أن يصوم قبله ولو يوماً ولا شوالاً مع يوم من ذي القعدة ويقتصر، وكذا الحكم في ذي الحجة مع يوم من آخر.
والندب من الصيام:
قد لا يختص وقتاً كصيام أيام السنة، فإنه جنة من النار. وقد يختص وقتاً ومنه: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أول خميس منه، وآخر خميس منه، وأول أربعاء من العشر الثاني. ومن أخرها استحب له القضاء، ويجوز تأخيرها اختياراً من الصيف إلى الشتاء. وإن عجز استحب له أن يتصدق عن كل يوم بمد من طعام. وصيام أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وصيام يوم الغدير، وصيام يوم مولد النبي (ص) ويوم مبعثه، ويوم دحو الأرض، وصيام يوم عرفة لمن لم يضعفه من الدعاء وتحقق الهلال، وصيام عاشوراء على وجه الحزن، ويوم المباهلة، وصيام يوم كل خميس وكل جمعة، وأول ذي الحجة، وصيام رجب، وصيام شعبان .
ويستحب الإمساك تأديباً وإن لم يكن صياماً في سبعة مواطن: المسافر إذا قدم أهله أو بلداً يعزم فيه الإقامة عشراً فما زاد بعد الزوال أو قبله وقد أفطر، وكذا المريض إذا برئ، وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، والكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، وكذا المغمى عليه. ولا يجب صيام النافلة بالدخول فيه، وله الإفطار أي وقت شاء. ويكره بعد الزوال.
والمكروهات أربعة:
صيام عرفة لمن يضعفه عن الدعاء، ومع الشك في الهلال وصيام النافلة في السفر، عدا ثلاثة أيام في المدينة للحاجة، وصيام الضيف نافلة من غير أذن مضيفه. وكذا يكره صيام الولد من غير إذن والده، والصيام ندباً لمن دعي إلى طعام.
والمحظورات تسعة:
صيام العيدين، وأيام التشريق لمن كان بمنى، وصيام يوم الثلاثين من شعبان بنية الفرض، وصيام نذر المعصية، وصيام الصمت، وصيام الوصال، وهو أن ينوي صيام يومين مع ليلة بينهما، وصيام المرأة ندباً بغير إذن زوجها أو مع نهيه لها، وكذا المملوك، وصيام الواجب سفراً عدا ما استثني.
* * *
النظر الثالث : في اللواحق
وفيه مسائل:
الأولى: المرض الذي يجب معه الإفطار ما يخاف به الزيادة بالصيام، ويبني في ذلك على ما يعلمه من نفسه أو يظنه لأمارة كقول الطبيب العارف، ولو صام مع تحقق الضرر متكلفاً قضاه.
الثانية: المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب، ولو صام عالماً بوجوبه قضاه، وإن كان جاهلاً لم يقض.
الثالثة: الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصيام، ويكفي خروجه قبل الزوال، وكل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصيام.
الرابعة: الذين يلزمهم إتمام الصلاة سفراً يلزمهم الصيام، وهم الذين سفرهم أكثر من حضرهم.
الخامسة: لا يفطر المسافر حتى يخفى عليه آذان مصره، فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء الكفارة.
السادسة: الهم والكبيرة وذو العطاش يفطرون في رمضان ويتصدقون عن كل يوم بمد من طعام، ثم إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط. وإن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير، كما يسقط الصيام.
السابعة: الحامل المقرب، والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان، وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام.
الثامنة: من نام في رمضان واستمر نومه، فإن كان نوى الصيام فلا قضاء عليه وإن لم ينو فعليه القضاء. والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء، سواء عرض ذلك أياماً أو بعض أيام ، وسواء سبقت منهما النية أو لم تسبق ، وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج.
التاسعة: من يسوغ له الإفطار في شهر رمضان يكره له التملي من الطعام والشراب، وكذا الجماع.
* * *
كتاب الاعتكاف
والكلام: فيه، وفي أقسامه، وأحكامه.
الاعتكاف: هو اللبث المتطاول للعبادة، ولا يصح إلا من مكلف مؤمن.
وشرائطه ستة:
الأول: النية، ويجب فيه نية القربة، ثم إن كان منذوراً نواه واجباً وإن كان مندوباً نوى الندب، وإذا مضى له يومان وجب الثالث.
الثاني: الصيام، فلا يصح إلا في زمان يصح فيه الصيام ممن يصح منه، فإن اعتكف في العيدين لم يصح، وكذا لو اعتكفت الحائض والنفساء. والمسافر يصح اعتكافه.
الثالث: لا يصح الاعتكاف إلا ثلاثة أيام، فمن نذر اعتكافاً مطلقاً وجب أن يأتي بثلاثة، وكذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة ليصح ذلك اليوم. ومن ابتدأ اعتكافاً مندوباً كان بالخيار في المضي فيه وفي الرجوع، فإن اعتكف يومين وجب الثالث. وكذا لو اعتكف ثلاثاً ثم اعتكف يومين بعدها وجب السادس. ولو دخل في الاعتكاف قبل العيد بيوم أو يومين لم يصح. ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها لا يصح. ولا يجب التوالي فيما نذره من الزيادة على الثلاثة، بل لابد أن يعتكف ثلاثة ثلاثة فما زاد، إلا أن يشترط التتابع لفظاً أو معنى.
الرابع: المكان فلا يصح إلا في مسجد من المساجد الأربعة: مسجد مكة، ومسجد النبي (ص)، ومسجد الجامع بالكوفة، ومسجد البصرة، أو مسجد صلى فيه نبي أو وصي جماعة، وضابطه: كل مسجد جمع فيه نبي أو وصي جماعة. ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.
الخامس: إذن من له ولاية كالمولى لعبده والزوج لزوجته. وإذا أذن من له ولاية كان له المنع قبل الشروع وبعده ما لم يمض يومان، أو يكونا واجباً بنذر وشبهه.
فرعان:
الأول: المملوك إذا هاياه مولاه جاز له الاعتكاف في أيامه، وإن لم يأذن له مولاه.
الثاني: إذا أعتق في أثناء الاعتكاف، لم يلزمه المضي فيه، إلا أن يكون شرع فيه بإذن المولى.
السادس: استدامة اللبث في المسجد: فلو خرج لغير الأسباب المبيحة، بطل اعتكافه طوعاً خرج أو كرهاً. فإن لم يمض ثلاثة أيام، بطل الاعتكاف. وإن مضت فهي صحيحة إلى حين خروجه. ولو نذر اعتكاف أيام معينة، ثم خرج قبل إكمالها يبطل الجميع إن شرط التتابع، ويستأنف. ويجوز الخروج للأمور الضرورية. كقضاء الحاجة، والاغتسال، وشهادة الجنازة، وعيادة المريض، وتشييع المؤمن، وإقامة الشهادة. وإذا خرج لشيء من ذلك لم يجز له: الجلوس ولا المشي تحت الظلال، ولا الصلاة خارج المسجد إلا بمكة، فإنه يصلي بها أين شاء. ولو خرج من المسجد ساهياً لم يبطل اعتكافه.
فروع:
الأول: إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يشترط التتابع، فاعتكف بعضا وأخل بالباقي، صح ما فعل وقضى ما أهمل ولو تلفظ فيه بالتتابع أستأنف.
الثاني: إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يعلم به حتى خرج كالمحبوس والناسي قضاه.
الثالث: إذا نذر اعتكاف أربعة أيام، فأخل بيوم قضاه، لكن يفتقر أن يضم إليه يومين آخرين ليصح الإتيان به.
الرابع: إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد، ولو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد صح، ويضيف إليه آخرين.
وأما أقسامه
فإنه ينقسم إلى: واجب، وندب. فالواجب ما وجب بنذر وشبهه والمندوب ما تبرع به. فالأول: يجب بالشروع، والثاني: لا يجب المضي فيه حتى يمضي يومان، فيجب الثالث. ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له ذلك أي وقت شاء، ولا قضاء. ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه.
وأما أحكامه، فقسمان:
الأول: إنما يحرم على المعتكف ستة: النساء لمساً وتقبيلاً وجماعاً، وشم الطيب واستدعاء المني، والبيع والشراء، والمماراة. ولا يحرم عليه لبس المخيط، ولا إزالة الشعر، ولا أكل الصيد، ولا عقد النكاح. ويجوز له النظر في أمور معاشه والخوض في المباح. وكل ما ذكرناه من المحرمات عليه نهاراً يحرم عليه ليلاً عدا الإفطار. ومن مات قبل انقضاء الاعتكاف الواجب يجب على الولي القيام به.
القسم الثاني: فيما يفسده، وفيه مسائل:
الأولى: كل ما يفسد الصيام يفسد الاعتكاف كالجماع والأكل والشرب والاستمناء، فمتى أفطر في اليوم الأول والثاني لم يجب به كفارة إلا أن يكون واجباً وإن أفطر في الثالث وجب الكفارة. ويجب كفارة واحدة إن جامع ليلاً، وكذا لو جامع نهاراً في غير رمضان، ولو كان فيه لزمه كفارتان.
الثانية: الارتداد موجب للخروج من المسجد، ويبطل الاعتكاف.
الثالثة: إذا أكره امرأته على الجماع، وهما معتكفان نهاراً في شهر رمضان لزمه كفارتان.
الرابعة: إذا طلقت المعتكفة رجعية خرجت إلى منزلها، ثم قضت واجباً إن كان واجباً أو مضى يومان، وإلا ندباً.
الخامسة: إذا باع أو اشترى يأثم ولا يبطل.
السادسة: إذا اعتكف ثلاثة متفرقة لا يصح.
* * *
وهي أربع: واجب، وندب، ومكروه، ومحظور.
والواجب ستة: صيام شهر رمضان، والكفارات، ودم المتعة (حج التمتع)، والنذر وما في معناه، والاعتكاف على وجه، وقضاء الواجب.
القول: في شهر رمضان
والكلام في: علامته، وشروطه، وأحكامه.
أما الأول:
فيعلم الشهر برؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه الصيام ولو انفرد برؤيته، وكذا لو شهد فردت شهادته، وكذا يفطر لو انفرد بهلال شوال. ومن لم يره لا يجب عليه الصيام إلا أن يمضي من شعبان ثلاثون يوماً، أو رؤي رؤية شائعة، فإن لم يتفق ذلك وشهد شاهدان تقبل شهادتهما سواء كانا من البلد أو خارجه. وإذا رؤي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصيام على ساكنيهما أجمع، وكذا المتباعدة كالعراق وخراسان. وإذا ثبت رؤية الهلال في بلد ثبتت في كل البلاد التي لا تختلف عنه في الوقت أكثر من ربع الليل والنهار أي ست ساعات. ويثبت بشهادة النساء، ولا يثبت بشهادة الواحد. ولا اعتبار بالجدول، ولا بالعد، ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق، ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال، ولا بتطوقه ولا بعد خمسة أيام من أول الهلال في الماضية.
ويستحب صيام الثلاثين من شعبان بنية الندب، فإن انكشف من الشهر أجزأ. ولو صامه بنية رمضان لأمارة يجزيه، وإن أفطر فأهل شوال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان قضاه. وكذا لو قامت بينة برؤية ليلة الثلاثين من شعبان. وكل شهر يشتبه رؤيته يعد ما قبله ثلاثين. ولو غمت شهور السنة عد شهر رمضان ثلاثين، وكذا ذي القعدة وذي الحجة ورجب وباقي الشهور بين ثلاثين وتسع وعشرين.
ومن كان بحيث لا يعلم الشهر كالأسير والمحبوس صام شهراً تغليباً، فإن استمر الاشتباه فهو برئ، وإن اتفق في شهر رمضان أو بعده أجزأه، وإن كان قبله قضاه.
ووقت الإمساك طلوع الفجر الثاني، ووقت الإفطار غروب الشمس، وحده سقوط القرص، والأفضل الانتظار إلى ذهاب الحمرة من المشرق للاطمئنان والتأكد من سقوط القرص. ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلي المغرب، وخير الدعاء دعاء الصائم في صلاة المغرب قبل أن يفطر، إلا إن تنازعه نفسه، أو يكون من يتوقعه للإفطار.
الثاني: في الشروط
وهي قسمان:
الأول: ما باعتباره يجب الصيام، وهو سبعة: البلوغ، وكمال العقل: فلا يجب على الصبي، ولا على المجنون إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر. ولو كملا بعد طلوعه لم يجب، وكذا المغمى عليه.
والصحة من المرض: فإن برئ قبل الزوال ولم يتناول وجب الصيام، وإن كان تناول أو كان برؤه بعد الزوال أمسك استحباباً، ولزمه القضاء.
والإقامة أو حكمها: فلا يجب على المسافر ولا يصح منه، بل يلزمه القضاء، ولو صام لم يجزه مع العلم، ويجزيه مع الجهل. ولو حضر بلده أو بلداً يعزم فيه الإقامة عشرة أيام كان حكمه حكم برئ المريض في الوجوب وعدمه. وفي حكم الإقامة كثرة السفر كالمكاري والملاح وشبههما.
والخلو من الحيض والنفاس: فلا يجب عليهما ولا يصح منهما وعليهما القضاء.
الثاني: ما باعتباره يجب القضاء، وهو ثلاثة شروط: البلوغ، وكمال العقل، والإيمان. فلا يجب على الصبي القضاء إلا اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره، وكذا المجنون والكافر وإن وجب عليه، لكن لا يجب القضاء إلا ما أدرك فجره مسلماً. ولو أسلم في أثناء اليوم أمسك استحباباً، وعليه صيام ما يستقبله وجوباً.
الثالث: ما يلحقه من الأحكام
من فاته شهر رمضان، أو شئ منه لصغر أو جنون أو كفر أصلي فلا قضاء عليه، وكذا إن فاته لإغماء. ويجب القضاء على المرتد سواء كان عن فطرة أو عن كفر ، والحائض والنفساء، وكل تارك له بعد وجوبه عليه، إذا لم يقم مقامه غيره. ويستحب الموالاة في القضاء ويجوز أن يفرق.
وفي هذا الباب مسائل:
الأولى: من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض، فإن مات في مرضه لم يقض عنه وجوباً، ويستحب. وإن استمر به المرض إلى رمضان آخر سقط عنه قضاؤه، وكفّر عن كل يوم من السلف بمد (4/3كغم) من الطعام، وإن برئ بينهما وأخره عازماً على القضاء قضاه ولا كفارة، وإن تركه تهاوناً قضاه وكفّر عن كل يوم من السالف بمد من الطعام.
الثانية: يجب على الولي (الولد الأكبر) أن يقضي ما فات الميت من صيام واجب رمضان كان أو غيره، سواء فات لمرض أو غيره. ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله، إلا ما يفوت بالسفر، فإنه يقضي ولو مات مسافراً. والولي هو أكبر أولاده الذكور، ولو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء. ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن (حتى اللحظة) تساووا في القضاء، ولو تبرع بالقضاء بعض سقط. ويقضي عن المرأة (الأم) ما فاتها الولد الأكبر. ويستحب للأبناء والبنات قضاء ما في ذمة الوالدين، وهو من البر بالوالدين بل هو خير البر وإهماله من العقوق المحرم.
الثالثة: إذا لم يكن له ولي أو كان الأكبر أنثى سقط القضاء، ويتصدق عنه عن كل يوم بمد من تركته. ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهراً، وتصدق من مال الميت عن شهر.
الرابعة: القاضي لشهر رمضان لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال لعذر وغيره، ويحرم بعده، ويجب معه الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من طعام، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام.
الخامسة: إذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله، فصيامه صحيح ويقضي الصلاة حسب.
السادسة: إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائماً، وثبت الرؤية في الماضية أفطر وصلى العيد، وإن كان بعد الزوال فقد فاتت الصلاة.
القول: في صيام الكفارات
وينقسم على أربعة أقسام:
الأول: ما يجب فيه الصيام مع غيره، وهو كفارة قتل العمد، فإن خصالها الثلاث تجب جميعاً، ويلحق بذلك من أفطر على محرم في شهر رمضان عامداً.
الثاني: ما يجب الصيام فيه بعد العجز عن غيره، وهو ستة: صيام كفارة قتل الخطأ، والظهار، والإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، وكفارة اليمين، والإفاضة من عرفات عامداً قبل الغروب، وكفارة جزاء الصيد. ويلحق بهذه كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده، وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها.
الثالث: ما يكون الصائم مخيراً فيه بينه وبين غيره، وهو خمسة: صيام كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان عامداً، وكفارة خلف النذر والعهد، والاعتكاف الواجب، وكفارة حلق الرأس في حال الإحرام. ويلحق بذلك كفارة جز المرأة شعر رأسها في المصاب.
الرابع: ما يجب مرتباً على غيره مخيراً بينه وبين غيره، وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه.
وكل صيام يلزم فيه التتابع إلا أربعة: صيام النذر المجرد عن التتابع، وما في معناه من يمين أو عهد، وصيام القضاء، وصيام جزاء الصيد، والسبعة في بدل الهدي. وكل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى عند زواله، وإن أفطر لغير عذر استأنف، إلا ثلاثة مواضع: من وجب عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهراً ومن الثاني شيئاً ولو يوماً بنى، ولو كان قبل ذلك استأنف. ومن وجب عليه صيام شهر متتابع بنذر فصام خمسة عشر يوماً ثم أفطر لم يبطل صيامه وبنى عليه، ولو كان قبل ذلك استأنف.
وفي صيام ثلاثة أيام عن الهدي إن صام يوم التروية وعرفة، ثم أفطر يوم النحر جاز أن يبني بعد انقضاء أيام التشريق، ولو كان أقل من ذلك استأنف. وكذا لو فصل بين اليومين والثالث بإفطار غير العيد استأنف أيضاً. ويلحق به من وجب عليه صيام شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكاً. وكل من وجب عليه صيام متتابع لا يجوز أن يبتدئ زماناً لا يسلم فيه، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يصوم شعبان، إلا أن يصوم قبله ولو يوماً ولا شوالاً مع يوم من ذي القعدة ويقتصر، وكذا الحكم في ذي الحجة مع يوم من آخر.
والندب من الصيام:
قد لا يختص وقتاً كصيام أيام السنة، فإنه جنة من النار. وقد يختص وقتاً ومنه: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أول خميس منه، وآخر خميس منه، وأول أربعاء من العشر الثاني. ومن أخرها استحب له القضاء، ويجوز تأخيرها اختياراً من الصيف إلى الشتاء. وإن عجز استحب له أن يتصدق عن كل يوم بمد من طعام. وصيام أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وصيام يوم الغدير، وصيام يوم مولد النبي (ص) ويوم مبعثه، ويوم دحو الأرض، وصيام يوم عرفة لمن لم يضعفه من الدعاء وتحقق الهلال، وصيام عاشوراء على وجه الحزن، ويوم المباهلة، وصيام يوم كل خميس وكل جمعة، وأول ذي الحجة، وصيام رجب، وصيام شعبان .
ويستحب الإمساك تأديباً وإن لم يكن صياماً في سبعة مواطن: المسافر إذا قدم أهله أو بلداً يعزم فيه الإقامة عشراً فما زاد بعد الزوال أو قبله وقد أفطر، وكذا المريض إذا برئ، وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، والكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، وكذا المغمى عليه. ولا يجب صيام النافلة بالدخول فيه، وله الإفطار أي وقت شاء. ويكره بعد الزوال.
والمكروهات أربعة:
صيام عرفة لمن يضعفه عن الدعاء، ومع الشك في الهلال وصيام النافلة في السفر، عدا ثلاثة أيام في المدينة للحاجة، وصيام الضيف نافلة من غير أذن مضيفه. وكذا يكره صيام الولد من غير إذن والده، والصيام ندباً لمن دعي إلى طعام.
والمحظورات تسعة:
صيام العيدين، وأيام التشريق لمن كان بمنى، وصيام يوم الثلاثين من شعبان بنية الفرض، وصيام نذر المعصية، وصيام الصمت، وصيام الوصال، وهو أن ينوي صيام يومين مع ليلة بينهما، وصيام المرأة ندباً بغير إذن زوجها أو مع نهيه لها، وكذا المملوك، وصيام الواجب سفراً عدا ما استثني.
* * *
النظر الثالث : في اللواحق
وفيه مسائل:
الأولى: المرض الذي يجب معه الإفطار ما يخاف به الزيادة بالصيام، ويبني في ذلك على ما يعلمه من نفسه أو يظنه لأمارة كقول الطبيب العارف، ولو صام مع تحقق الضرر متكلفاً قضاه.
الثانية: المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب، ولو صام عالماً بوجوبه قضاه، وإن كان جاهلاً لم يقض.
الثالثة: الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصيام، ويكفي خروجه قبل الزوال، وكل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصيام.
الرابعة: الذين يلزمهم إتمام الصلاة سفراً يلزمهم الصيام، وهم الذين سفرهم أكثر من حضرهم.
الخامسة: لا يفطر المسافر حتى يخفى عليه آذان مصره، فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء الكفارة.
السادسة: الهم والكبيرة وذو العطاش يفطرون في رمضان ويتصدقون عن كل يوم بمد من طعام، ثم إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط. وإن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير، كما يسقط الصيام.
السابعة: الحامل المقرب، والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان، وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام.
الثامنة: من نام في رمضان واستمر نومه، فإن كان نوى الصيام فلا قضاء عليه وإن لم ينو فعليه القضاء. والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء، سواء عرض ذلك أياماً أو بعض أيام ، وسواء سبقت منهما النية أو لم تسبق ، وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج.
التاسعة: من يسوغ له الإفطار في شهر رمضان يكره له التملي من الطعام والشراب، وكذا الجماع.
* * *
كتاب الاعتكاف
والكلام: فيه، وفي أقسامه، وأحكامه.
الاعتكاف: هو اللبث المتطاول للعبادة، ولا يصح إلا من مكلف مؤمن.
وشرائطه ستة:
الأول: النية، ويجب فيه نية القربة، ثم إن كان منذوراً نواه واجباً وإن كان مندوباً نوى الندب، وإذا مضى له يومان وجب الثالث.
الثاني: الصيام، فلا يصح إلا في زمان يصح فيه الصيام ممن يصح منه، فإن اعتكف في العيدين لم يصح، وكذا لو اعتكفت الحائض والنفساء. والمسافر يصح اعتكافه.
الثالث: لا يصح الاعتكاف إلا ثلاثة أيام، فمن نذر اعتكافاً مطلقاً وجب أن يأتي بثلاثة، وكذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة ليصح ذلك اليوم. ومن ابتدأ اعتكافاً مندوباً كان بالخيار في المضي فيه وفي الرجوع، فإن اعتكف يومين وجب الثالث. وكذا لو اعتكف ثلاثاً ثم اعتكف يومين بعدها وجب السادس. ولو دخل في الاعتكاف قبل العيد بيوم أو يومين لم يصح. ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها لا يصح. ولا يجب التوالي فيما نذره من الزيادة على الثلاثة، بل لابد أن يعتكف ثلاثة ثلاثة فما زاد، إلا أن يشترط التتابع لفظاً أو معنى.
الرابع: المكان فلا يصح إلا في مسجد من المساجد الأربعة: مسجد مكة، ومسجد النبي (ص)، ومسجد الجامع بالكوفة، ومسجد البصرة، أو مسجد صلى فيه نبي أو وصي جماعة، وضابطه: كل مسجد جمع فيه نبي أو وصي جماعة. ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.
الخامس: إذن من له ولاية كالمولى لعبده والزوج لزوجته. وإذا أذن من له ولاية كان له المنع قبل الشروع وبعده ما لم يمض يومان، أو يكونا واجباً بنذر وشبهه.
فرعان:
الأول: المملوك إذا هاياه مولاه جاز له الاعتكاف في أيامه، وإن لم يأذن له مولاه.
الثاني: إذا أعتق في أثناء الاعتكاف، لم يلزمه المضي فيه، إلا أن يكون شرع فيه بإذن المولى.
السادس: استدامة اللبث في المسجد: فلو خرج لغير الأسباب المبيحة، بطل اعتكافه طوعاً خرج أو كرهاً. فإن لم يمض ثلاثة أيام، بطل الاعتكاف. وإن مضت فهي صحيحة إلى حين خروجه. ولو نذر اعتكاف أيام معينة، ثم خرج قبل إكمالها يبطل الجميع إن شرط التتابع، ويستأنف. ويجوز الخروج للأمور الضرورية. كقضاء الحاجة، والاغتسال، وشهادة الجنازة، وعيادة المريض، وتشييع المؤمن، وإقامة الشهادة. وإذا خرج لشيء من ذلك لم يجز له: الجلوس ولا المشي تحت الظلال، ولا الصلاة خارج المسجد إلا بمكة، فإنه يصلي بها أين شاء. ولو خرج من المسجد ساهياً لم يبطل اعتكافه.
فروع:
الأول: إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يشترط التتابع، فاعتكف بعضا وأخل بالباقي، صح ما فعل وقضى ما أهمل ولو تلفظ فيه بالتتابع أستأنف.
الثاني: إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يعلم به حتى خرج كالمحبوس والناسي قضاه.
الثالث: إذا نذر اعتكاف أربعة أيام، فأخل بيوم قضاه، لكن يفتقر أن يضم إليه يومين آخرين ليصح الإتيان به.
الرابع: إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد، ولو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد صح، ويضيف إليه آخرين.
وأما أقسامه
فإنه ينقسم إلى: واجب، وندب. فالواجب ما وجب بنذر وشبهه والمندوب ما تبرع به. فالأول: يجب بالشروع، والثاني: لا يجب المضي فيه حتى يمضي يومان، فيجب الثالث. ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له ذلك أي وقت شاء، ولا قضاء. ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه.
وأما أحكامه، فقسمان:
الأول: إنما يحرم على المعتكف ستة: النساء لمساً وتقبيلاً وجماعاً، وشم الطيب واستدعاء المني، والبيع والشراء، والمماراة. ولا يحرم عليه لبس المخيط، ولا إزالة الشعر، ولا أكل الصيد، ولا عقد النكاح. ويجوز له النظر في أمور معاشه والخوض في المباح. وكل ما ذكرناه من المحرمات عليه نهاراً يحرم عليه ليلاً عدا الإفطار. ومن مات قبل انقضاء الاعتكاف الواجب يجب على الولي القيام به.
القسم الثاني: فيما يفسده، وفيه مسائل:
الأولى: كل ما يفسد الصيام يفسد الاعتكاف كالجماع والأكل والشرب والاستمناء، فمتى أفطر في اليوم الأول والثاني لم يجب به كفارة إلا أن يكون واجباً وإن أفطر في الثالث وجب الكفارة. ويجب كفارة واحدة إن جامع ليلاً، وكذا لو جامع نهاراً في غير رمضان، ولو كان فيه لزمه كفارتان.
الثانية: الارتداد موجب للخروج من المسجد، ويبطل الاعتكاف.
الثالثة: إذا أكره امرأته على الجماع، وهما معتكفان نهاراً في شهر رمضان لزمه كفارتان.
الرابعة: إذا طلقت المعتكفة رجعية خرجت إلى منزلها، ثم قضت واجباً إن كان واجباً أو مضى يومان، وإلا ندباً.
الخامسة: إذا باع أو اشترى يأثم ولا يبطل.
السادسة: إذا اعتكف ثلاثة متفرقة لا يصح.
* * *
والحمد لله رب العالمين
Tiada ulasan:
Catat Ulasan